أشبعت البحوث والدراسات التي جلبها علماء ومفكرون إلى مؤتمر ظاهرة التكفير في المدينةالمنورة، مطلباً علمياً ووطنياً إزاء تنامي ظاهرة التكفير في العالم الإسلامي. وأفرد الأستاذ المشارك في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية علي الشبل بحثين مطولين، الأول عن شروط وموانع تكفير المعين، وأهم قواعد التكفير، والثاني عن أثر التكفير في عقيدة ومستقبل الإسلام. وفي جزء مهم من البحث الأول، شدد على أن أحد أهم موانع التكفير، وهو «الخطأ» الذي ألحق العلماء به «التأويل»، لا يستفيد منه إلا المجتهدون، إذ ليس ذريعة مقبولة من أهل الأهواء والقائلين على الله بغير علم. وخصص الشبل في بحثه الثاني فصلاً عن الجهود العلمية في المملكة لمكافحة الغلو ومظاهره، مستعرضاً جهود هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وجهود العلماء والجامعات وأساتذتها، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ووزارة الثقافة والإعلام، ورئاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأجهزة الإرشاد والتوجيه الديني والجمعيات الخيرية والمؤسسات العلمية. وقال في مقدمة الفصل: «لقد بليت المملكة العربية السعودية منذ عقود عدة بآثار التشدد في الدين من بعض أطياف المجتمع منذ عدة عقود، فبدءاً من فتنة الإخوان التي تكاملت في معركة السبلة سنة 1347 إلى حادثة الحرم من فئةٍ «غالية»من عام 1400ه، حتى حوادث القتل والتفجير والتكفير والتدمير من بعض الفئات الضالة، أضحت بلاد الحرمين وقبلة المسلمين ومأوى قلوبهم ومنار هدايتهم تُصلى بنار الغلو والتشدد والتطرف وإرهاب الآمنين المعصومين في دمائهم وأعراضهم وأموالهم». وبين الشبل أن هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء سبقت إلى التنديد بالأعمال التخريبية، ونبذها، والتحذير منها من خلال البيانات والقرارات الصادرة عن الهيئة في دوراتها الاعتيادية والطارئة، بدءاً من حادثة العليا عام 1416ه إلى الوقت الحاضر، وما صدر عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وعن المفتي العام للمملكة وعن أعضاء هيئة كبار العلماء مجتمعين أو منفردين من الفتاوى والبيانات والأحكام العلمية والشرعية التي تدين تلك الجرائم من تكفير وتفجير وتدمير وخطف للطائرات وهدر للطاقات وحجز للرهائن، وتجرِّم فاعلها، وتبرئ الإسلام من هذه التصرفات، منيطة ذلك بقواعد الشريعة في حفظ الضروريات الخمس (الدين والعقل والنفس والعرض والمال)، وتعظيم الدماء والعهود، وتحريم الغدر والظلم، وكشف الشبه الزائفة في التكفير والتبديع والتفسيق. وأشار إلى أن أساتذة الجامعات هم الصفوة بعد كبار العلماء ممن تناولوا هذه القضايا النازلة بالبحث والدراسة والغوص في الجذور والأسباب والنتائج وسبل العلاج من خلال، البحوث العلمية المعمقة والمركزة في هذه الفتنة، وأسبابها وتأريخها وعواقبها، والأطروحات العليا في رسائل الماجستير والدكتورة، وإقامة المؤتمرات العالمية العلمية، وعقد الندوات، وحلقات البحث والنقاش، وعقد البرامج الإعلامية الحوارية والإرشادية في وسائل الإعلام المتنوعة تحذيراً وإرشاداً، وصياغة المناهج الدراسية الدينية والتربوية والاجتماعية على أساس سماحة الإسلام واعتداله، إضافةً إلى الأدوار الإرشادية وكشف الشبه والتوجيه، وبيان الغوائل والعواقب من طلاب العلم والعلماء والباحثين. وأكد أن الجهود العلمية المبذولة في السعودية في مكافحة الغلو والتشدد والعنف والإرهاب المذموم طاولت أصعدةً شتى وجهات حكومية ومؤسسية وشعبية عديدة من خلال التوجيه والإرشاد والتحذير من هذه العقيدة الضالة بهذا الفكر المنحرف عن الحق والعدل والقسط ووسطية الإسلام عقيدة وشريعة، ومن طريق البحث عن الأسباب والجذور والبواعث لهذه الأفكار وردود أفعالها. المكافحة الدينية ولاحظ الأستاذ في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام أن المنحنى البارز في تركيز تلك الجهود العلمية والدعوية المبذولة هو في الجانب الديني من خلال الوعظ والطرح العلمي، إذ ان ثقة الدولة والرعية والوافدين في العلماء ثقة قوية ومؤثرة، ما مكن من توظيف هذا الجانب بما عكس وحدة الصف من العلماء والمشايخ مع جهود الدولة في السعودية في محاربة ومعالجة هذه الظواهر. وثمة جهود مبذولة في العناية بالشباب وهم عماد الأمة ومعقد الأمل بالتوجيه والتحذير من المناهج الضالة سواء كانت مناهج غلو وتشدد تفضي إلى العنف والتكفير، أو مناهج انحراف وتحلل بنبذ الدين والاستقامة عليه، فهذان ضدان لا يجتمعان، ويجب من ناحية العدل والإنصاف ذمهما جميعاً. كذلك من الأسباب المؤثرة في هذا الجانب إبراز خصائص ومميزات المجتمع السعودي والذي تحكمه دولة لها بيعة شرعية معتبرة وترعى الدعوة إلى الله. إن إبراز هاتيكم الخصائص العامة والخاصة لهما يعطي الثقة وتحقق الاعتبار لهذه الدولة والدعوية، ومن أهم هذه الخصائص: - تحكيم الشريعة الإسلامية، والتحاكم إليها، إذ عمل القضاة والمحاكم الشرعية في الخصومات والحدود والجنايات وأحكام الأسرة والأحوال الشخصية.. هو بالأحكام الشرعية. وللنظر القضائي الحصانة والاختصاص عبر مجالسة المتعددة. - وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معلن بها في هذه البلاد من خلال جهاز في مرتبة وزارة يقوم بهذا الواجب عن الأمة، امتثالاً لقوله تعالى: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ» [آل عمران:104]. - وأيضاً مناهج التعليم الديني في التوحيد والفقه والحديث والتفسير والسلوك - قائمة على منهاج الاستقامة من دين الله، وعلى منهج الوسطية من سنة رسول الله، فلم ترب على الغلو والعنف والتشدد، وإنما شأنها مكافحة ذلك بالعلم والبصيرة التي تدفع الغلو والتشدد وتحذر منه. سيدة شبهات التكفير المعاصر! الباحث أشار إلى جواب كبار علماء المملكة عن شبهة «إماتة الجهاد» التي تعتبر مركوب المتطرفين الأكبر، نحو تكفير الدولة. وجاء الرد المختصر، قبل تفاصيل عدة أوردها الكاتب: أنه لا يجوز الإقدام على التكفير بلا برهان! وأنه لا يجوز تكفير المسلم إلا بيقينٍ يُزيل اليقين الذي دخل به الإسلامَ. وهذا اليقين أعني به أن يثبتَ عندنا أمران: أحدهما متعلق بالفعل، والآخر متعلق بالفاعل. فالمتعلق بالفعل هو: أن يثبت لدينا بالدليل الصحيح الصريح كون هذا الأمر كفراً. ولا بد من المدعي ذلك إثباته دليلاً. والمتعلق بالفاعل هو: كون الواقع فيه ممن توفَّرت فيه شروط التكفير وانتفت عنه موانعه الأربعة التي سبق التنويه بها. وتكفير المسلم- بمثل الأمور المحتملة للكفر ولما هو دون الكفر- لا يجوز لأنه كبيرة من كبائر الذنوب؛ إذ لا بد من وجود اليقين. لهذا نقول في كشف هذه الشبهة إماتة الحكام للجهاد؛ كلمة مجملة تحتاج إلى تفصيلٍ كاشِفٍ عن المراد بها؛ إذ إنها تحتمل معنيين بينهما- في الحكم- كما بين السماء والأرض؛ في: هل المراد أن الحكام أنكروا شرعيته مطلقاً؟! أو المراد أنهم تركوه مع عدم إنكار شرعيته؟! فإنّ الأولَ كفرٌ بلا ريب، وأما الثاني فله حالتان: فإنْ ترَكه وهو غير قادر، فهو معذور شرعاً لقوله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)[البقرة: 286] ولقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن: 16]. والحالة الأخرى: إنْ ترَكه وهو قادر؛ فهو مقصِّر غير معذور ولا يصل إلى درجة الكفر الأكبر حتى يصرِّح بجحد مشروعية الجهاد أو نحوه؛ ولكنه لا يكفر بذلك التقصير. وبعض الحكام كان لهم دورٌ بارزٌ- يعرفه المُنْصِفُون - في الجهاد؛ كموقف حكام المملكة العربية السعودية من الجهاد الأفغانيّ الروسيّ وغيره؛ فحاشاهم أن يكونوا مميتين للجهاد تاركين له- بالكُلّيّة - مع توافر أسبابه ومقوماته. موانع التكفير وفي سياق بحث آخر للأكاديمي الشبل خص به «الحياة»، ناقش الشروط المعقدة التي اشترطها أهل العلم، لمنع تكفير الأشخاص بأعيانهم. وخلص إلى أن «تكفير المعين يخضع عند العلماء لشروط لا بد من اجتماعها وموانع لا بد من انتفائها حتى نحكم على المعين المقارف للكفر قولاً أو عملاً أو اعتقاداً بأنه كافر بعينه خارج عن ملة الإسلام، وهي باختصار: العلم، ومانعه الجهل. التكليف، ومانعه عدم التكليف. ثم الاختيار، ومانعه الإكراه، وأخيراً القصد، ومانعه الخطأ، وألحق العلماء به التأويل»، مشيراً إلى أنه تبين من كلام أهل العلم الدائر على الأدلة الشرعية أن «هناك فرقاً بين التكفير المطلق وتكفير تارك الصلاة مطلقاً وتكفير اليهود والنصارى مطلقاً وأشباه ذلك وبين التكفير المعين وذلك بالحكم على فلان بن فلان بعينه أنه كافر». العلماء ألحقوا «التأويل» ب «الخطأ» في «الموانع»