في مجالس النخب تدور أحاديث كثيرة حول المخاطر التي تحدق بالأمة وما تمر به من تغييرات . والعجيب أن هذه النخب متفقة على أن سبب ذلك هو الهجمة التغريبية متزامنة مع مشروع المد الصوفي ، بهدف إضعاف مناعة الأمة بالتزامن مع الهجوم العنيف الذي يرمي إلى نشر العلمنة وسلخ الأجيال عن دينها ومحاربة العفة والتهاون بالحشمة ، وأنَّ أماراتٍ عديدة ظهرت بدأت هنا وهناك فضلاً عن التحولات التي بدأت تطرأ على العلاقات الاجتماعية والأسرية كعقوق الوالدين وهروب الفتيات وكثرة الطلاق والعزوف عن الزواج والشذود الجنسي وغيرها من المظاهر التي تشمت العدو ولا تسر الصديق. الكل متفقون – وهذا جميل - على أن أمتنا تمر بمرحلة حساسة وحرجة تحت ضربات موجعة من هنا وهناك ، والتي توظف إمكانيات مادية وتقنية وسياسية هائلة لتحقيق ما تريد دون أن تفوت أي فرصة زمنية أو مكانية أو سياسية أو اقتصادية ، وفق منهج واضح وأداء متكامل وتوزيع للأدوار وتحديد للأولويات مع تأنٍ وتروٍ في التنفيذ في بعض المفاصل مع تدرج في الخطوات بعيداً عن الاستعجال وحَرْقِ المراحل . لكن ما ليس جميلاً البتة هو حيرة هذه النحب _ التي نحترم _ وتخبطها إزاء ما يجب فعله لمواجهة هذا الواقع ، إما بسبب العشوائية في المعالجة ، أو الارتجالية في الطرح ، أو بسبب تكرار الأدوار وعدم تنسيق الجهود بما يكفل استغلال كافة الإمكانيات المتاحة وتوجيه الطاقات إلى ما يخدم الهدف . إن الوعي بما يحيط بنا أمر مطلوب ، والتشخيص أولى خطوات العلاج، لكن التشخيص المجرد لا يكفي ، والعلم بوجود المرض لا يشفي المريض ، كما أن العلم بوجود الحريق لا يطفئ النار . وحتى الرغبة وحدها لا تكفي دون أن تترجم إلى برامج عملية تتداعى عليها عقول المفكرين والاستراتيجيين والعقلاء ، لأن الرغبة بلا قدرة عجز، والقدرة بلا منهج تخبط . لا بد من العمل ، فمن المؤسف _ حقًا _ ألا نملك في بعض الأمور وسيلة فاعلة للدفاع سوى الإسقاطات النفسية واللهجة المتشنجة والتبرم والتأفف ، دون أن يكون لدينا خطة عملية قابلة للتطبيق بعيداً عن السفسطة والتنظير . نعم ،، لا بد من التخطيط ، فكل الإمكانيات متاحة وعلى كافة الصعد والمجالات في ظل الإرادة البناءة والحزم المثمر عن رؤية وسطية تحمل في طياتها _ إضافة إلى التكتيك الاستراتيجي _ روح النصيحة والشفقة على الأمة . التخطيط أساس النجاح ، والعمل بدون خطة يصبح ضربًا من العبث وإضاعة الوقت ، إذ تعم الارتجالية فيحدث التزاحم والازدواج من جانب والفراغ من جانب آخر ، ويصبح الوصول إلى الهدف بعيد المنال . لننظر إلى طرفي المعادلة : المهاجمون يركنون إلى خطة واضحة المعالم محددة الأهداف موزعة الأدوار والتناوب على تنفيذها مستمر والتقويم دقيق ،يقابلهم أمة لم تعرف سوى الأهداف العامة ولديها طاقات كبيرة وتقوم بعمل لكن تنقصه الدقة والتنسيق في بعض مجالاته مع غياب الفاعلية وعدم تنظيم الطاقات . لا بد من بالتخطيط لكي تتضح الرؤية في المعالجة من خلال الإحاطة بالواقع بشكل كبير وتوقع ما يمكن أن تكون عليه الأحوال في المستقبل. ومن ثم يتحقق التفاعل والانسجام بين القوى والطاقات المعنية وذلك من خلال تنسيق الجهود وتوزيع الأدوار والاستفادة القصوى من الإمكانيات المتاحة ، وحينها نكتسب القدرة على إحداث التغيير ببيان سبل مواجهة التحديات وتفعيل الطاقات التي يمكن من خلالها إحداث التأثير المطلوب وإزاحة العوائق التي تعترض ذلك . لم يعد أمامنا سوى العمل المؤسسي المدروس وتجميع الطاقات في برامج كبرى لمواجهة الأزمات المتلاحقة التي تعصف بنا ، والتي فرضت علينا بمسوغات وتبريرات اقتصادية وسياسية ، ولن نعجز أن نقدم البديل النافع والآمن الذي يحفظ للأمة مصالحها ورسالتها ولن نكون عاجزين عن ذلك بإذن الله ، والله تعالى يقول { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً } .