د.يوسف بن أحمد القاسم - الاقتصادية السعودية يحكي الليبيون رواية حقيقية فيها الكثير من العبر، وهي: (أن إدريس السنوسي - رحمه الله - حاكم ليبيا السابق قبل القذافي - قد كان الشعار الذي يهتف ضده الليبيون آنذاك: ""نريد إبليس.. ولا إدريس""؛ حتى تجمع الليبيون ووصلوا عند قصره، وكان الملك واقفا على شرفة قصره، يشاهد الحشود المتجمعة؛ ولأنه كان كبيرا في السن، ولا يسمع هتافات الجماهير الغاضبة، فقد سأل أحد مرافقيه: ماذا يقول الشعب؟ فقال: إنهم يقولون: ""نريد إبليس.. ولا إدريس""، فكان جواب الملك: ""اللهم آمين.. اللهم آمين"". فكان لهم ما أرادوا؛ إذ حكمهم إبليس كما طلبوا أكثر من 40 عاما!)، وفي بعض صور القذافي الثابتة والمتحركة يستحضر المشاهد إبليس صورة وسلوكا! وحين انتفض المصريون على الملك فاروق بالثورة الشهيرة عام (1952) لم يكن - إلا في صورة خجولة ربما - ما يسمى الآن ب ""أمن الدولة"" الذي كان لعنة يلاحق المواطنين المصريين في اليقظة والمنام حتى سقط حكم مبارك، ولم يكن ما يسمى ب ""قانون الطوارئ"" إلا استثناء في حالة حرب ونحوها، فما إن جاءت ثورة الضباط، وتحولت الملكية إلى جمهورية، حتى أصبحت الطوارئ هي الأصل، وعلقت المشانق تحت شعار الأحكام العرفية، والمحاكم العسكرية، أو ما يسمى ب ""محاكم الثورة""، ولوحق المتدينون تحت تهم ملفقة، وأصبحت الشرطة والأمن المركزي أداة قمع ورعب ضد الشعب المصري، وقبل الثورة لم تكن أيدي الشرط تتلوث بدماء المصريين إلا في حالات قليلة ""قياسا على الحكومات اللاحقة""، بل ذكر أحد جنود الشرطة المصرية في عهد الملك فاروق، أن رجال الشرطة - وكان أحدهم - لم تعتد على المتظاهرين ضد الملك، وأما ثروة مصر- فمع انغماس القصر الملكي فيها - إلا أن الحالة الاقتصادية المصرية كانت مختلفة تماما عن الوضع اللاحق، حيث لا يزال يذكر كبار السن من المصريين وغيرهم أن بعض شوارع القاهرة كانت تغسل بالصابون أيام الملك فاروق، وذكر أحد رجالات الاقتصاد أن النمو الاقتصادي في مصر كان ""يوازي تماما"" النمو الاقتصادي في كوريا الجنوبية حين خُلع الملك فاروق، وحين سقط حكم حسني مبارك كان النمو الاقتصادي في مصر في أسوأ حالاته؛ إذ كان ""يوازي 22 في المائة"" من النمو الاقتصادي في كوريا الجنوبية..! وأظنه أقل من ذلك بكثير، والديون المليارية المصرية دليل واضح على هذا. وأبرز شاهد على حالة الفرق بين الحكمين- الملكي والجمهوري - أن الملك فاروق ركب سفينته مع عائلته، وارتحل إلى روما بتوديع من رجالات الثورة آنذاك، واليوم يودع الثوار حسني مبارك بالإقامة الجبرية، وبقرار النيابة العامة بالمثول أمام القضاء، وبالملاحقة الشعبية قانونا وقضاء.. ماديا، وجنائيا. وبالنظر إلى حالة الأردن وسورية ولبنان، نجد أن الأردن الملكية - مع ما لديها من إشكاليات كثيرة، وحالات فقر شعبية منتشرة - أفضل حالا من سورية ولبنان؛ فالأردن تتمتع بحريات أفضل، وبعملة أفضل، وسورية تفتقد هذين الأمرين الرئيسين، فلديها عملة متردية، كثيرة الأرقام، وتتمتع بقمع أمني منقطع النظير حتى غدا مواطنوها مشردين بامتياز في كل صقع، وواقعها القمعي اليوم أكبر شاهد على هذا، وأما لبنان فهي تفتقد العامل الأول بلا شك، فتسحب من الصراف الآلي ملايين الليرات؛ لتشتري بها ثوبا أو معطفا..! فهي - كسورية - لديها عملة ذات قوة شرائية منخفضة بالمرة، وأما الحريات في لبنان، فهي وإن كانت تتمتع بحريات قانونية، إلا أن حوادث الاغتيالات والتصفيات تكاد تتفوق على دول العالم أجمع، فواقعها السياسي المتآكل خير مثال على الكره والبغض والحقد، ومحاولة بطش كل حزب بالآخر، حتى غدا الشارع اللبناني مائدة نزاع للساسة اللبنانيين، فيتنازع الساسة إعلاميا، ويدفع الضريبة رجل الشارع اللبناني المسكين بالهراوات والذخيرة الحية..!! وبالنظر إلى حالة المغرب والجزائروتونس وليبيا، نجد أن المغرب الملكية - مع ما لديها من خلل أخلاقي واقتصادي - أفضل حالا من الجزائروتونس وليبيا، فأما الجزائر فتمكن الجيش الجزائري من رقبة الشعب خير مثال على القبضة الحديدية، حتى على الدولة ذاتها، إضافة إلى الواقع الأمني المتردي، ناهيك عن مصادرة ما آلت إليه نتائج الانتخابات في التسعينيات الميلادية بقوة السلاح، حتى استمر التناحر العسكري بين الدولة وبعض فئات الشعب منذ أكثر من عشرين عاما، وأما تونس فدولة اللصوصية والبوليسية البائدة خير مثال على فشل النموذج التونسي كنموذج للجمهورية، وقبلها عهد بورقيبة، إلا أن لديه نزعة وطنية لأبناء شعبه بنسبة ما، وأما ليبيا، فخير مثال على دولة يديرها إبليس في صورة إنسان، وهنا لن ينسى الليبيون أبدا بأن البلاء موكل بالمنطق. وقد يثور تساؤل: لماذا الواقع أثبت فضل الملكية على الجمهورية، على الأقل في البلاد العربية..؟ والجواب.. عبَّر عنه ربما رجل عامي بسيط، بقوله: إن من يملك منزلا خير ممن يستأجر المنزل، فالأول يملكه، فيحاول أن يحافظ عليه بكل إمكاناته، والآخر لا يهمه سوى أن يستهلك منفعة المنزل، ولو على حساب ملكيات المنزل العامة، وهكذا رؤساء الجمهوريات يحيطون أنفسهم بمخابرات ورجالات أمن قمعية، ويهيلون أموال الدولة على من حولهم؛ حتى يضمنوا البقاء فترة أطول، أما الأنظمة الملكية، فهي في الغالب آمنة من التغيير، فهي تحاول كسب الطرفين، الفئة المحيطة بالنظام، وفئة أفراد الشعب، بنسب ومعايير تنخفض وترتفع بحسب كل أنظمة وأخرى. وما ذكرته أعلاه لا يعني تبرئة تلك الأنظمة الملكية من آلاتها القمعية، كما لا يعني أنها خير مطلق من الجمهوريات التي قامت على أنقاض الملكيات، فهذه الدول الغربية تتمتع بدول مؤسسات ديمقراطية خير من كثير من تلك الملكيات، ولكن الحديث عن الواقع الذي أفرزته الجمهوريات العربية الثائرة سابقا، وقد يكون للثورات التي قامت في مصر أو تونس أو غيرها عاقبة حميدة، ولكن حديثنا هنا عن تاريخ سابق أصبح واقعا، فهل ستستطيع الشعوب الثائرة أن تحافظ على مكتسباتها، وتضع على كراسي الحكم رجالا أمناء، أم ستفرز هذه الثورات رجالا أبالسة..؟