عبدالله ناصر العتيبي * الحياة اللندينة اليوم يعود مهرجان الجنادرية للحياة من جديد بعد فترة موات استمرت 11 شهراً وبضعة أيام. اليوم تتشرف القرية التراثية في أقصى شمال شرق الرياض بلقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي كان له الفضل الأبرز في قيام هذا المهرجان منذ ما يزيد على «25عاماً». اليوم يعود الزائرون من جديد لزيارة الماضي والمستقبل في مساحة صغيرة تتحرق شوقاً لاحتضان المواطنين والمقيمين، الفقراء والأغنياء، المتعلمين وأنصاف المتعلمين، النساء والرجال، الأطفال وكبار السن، الشماليين والجنوبيين، الشرقيين والغربيين، وأهل نجد بالتأكيد. اليوم يُبعث مهرجان الجنادرية للحياة، لكن هل حياته القصيرة التي سيعيشها تستحق كل هذا الاهتمام والإعداد الكبير والمجهودات الضخمة والأموال التي تُصرف عليه؟! تعودنا منذ عام 1405ه على أن نحتفل في كل ربيع بهذا المهرجان الكبير. تعودنا أن نعيد جدولة نشاطاتنا في أسبوعي المهرجان، بشكل يسمح لنا بحضور فعاليات المهرجان التي تتناسب مع اهتماماتنا وهواياتنا. تعودنا أن نكون وعائلاتنا في الموعد السنوي الكبير. تعودنا - نحن المليون زائر سنوياً - أن نكيّف أنفسنا خلال أسبوعين فقط! هل تكفي فترة أسبوعين فقط لمهرجان متنوع ضخم كمهرجان الجنادرية؟! الإجابة نعم. فالمهرجانات في طول الأرض وعرضها تدور حول العشرة أيام. تزيد وتنقص، لكنها لا تبتعد كثيراً من حمى الأيام العشرة إلا في الشاذ والمتطرف، وكلاهما لا حكم له ولا قياس عليه. السؤال الآخر: هل فترة الأسبوعين السنوية للمهرجان تتناسب مع المنشآت الضخمة لقرية الجنادرية، والملايين الكثيرة التي صرفت على البنية التحتية لخدمات القرية، وحجم الاستثمارات الكبيرة الموجودة على أرض الواقع في محيط موقع المهرجان؟! الإجابة لا بالطبع. فالقرية بتجهيزاتها الكبيرة والضخمة تحتاج إلى تفعيل لفترة أطول من ذلك بدلاً من تركها في العراء وحيدة لمدة 11 شهراً وأسبوعين تصارع الغبار والحر والبرد وحيدة! كتبت قبل عامين اقتراحات عدة وجهتها للمسؤولين عن المهرجان، وفاز بعضها بعناية رجال الحرس الوطني، ومات بعضها الآخر، واليوم أعود لكتابة مقترحات جديدة من أجل إظهار الجنادرية بمظهر يتناسب مع التحول الثقافي العربي في السنوات الأخيرة، الذي جعل من السعودية مركزاً ثقافياً رئيساً تتطلع إليه عيون العرب جميعاً: أولاً: تحديد فترة المهرجان الرسمي بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع، بحيث يكون الاهتمام الأكبر منصباً في هذه الفترة على الفعاليات الأدبية والثقافية والفنية. يبدأ الأسبوعان بافتتاح رسمي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ويتلو ذلك حشد معتبر من الفعاليات (المجانية، وسأبرر لماذا المجانية بعد سطور قليلة) التي لا يمكن أن توجد خلال السنة في مكان آخر غير «الجنادرية». ثانياً: تمديد فترة عمل القرية التراثية، بحيث تفتح أبوابها للجمهور لمدة لا تقل عن ستة أشهر في السنة. من غير المعقول أن تكون هذه القرية الكبيرة بتجهيزاتها وخدماتها كافة متاحة للجمهور لفترة أسبوعين فقط، في هذا هدر للمال وهدر أيضاً لفرص سياحية وثقافية ستساعد بلا أدنى شك في تغيير وجه مدينة الرياض السياحي والثقافي. تمديد العمل في القرية الجنادرية - وأقترح أن يكون في الفترة من تشرين الثاني (نوفمبر) إلى أيار (مايو) من كل عام - سيساعد في توفير عمل تجاري للآلاف من السعوديين الحرفيين، وسيجعل من القرية تجمعاً ممتازاً للمصانع الحرفية التي تكاد تندثر في عموم المملكة لعدم الاهتمام بها من هيئة السياحة والوزارات المعنية من جهة، ولعدم قدرة هذه المصانع من جهة أخرى على عرض منتجاتها بشكل مناسب، ما يتسبب في خسارتها وبالتالي إقفالها. كما أن وجود الفرق الموسيقية الشعبية وغير الشعبية (أحلم بوجود دائم لفرق الموسيقى الكلاسيكية)، بشكل شبه دائم سيسهم لا شك في تطوير الموسيقى السعودية التراثية وغير التراثية، ما سيسهم في خلق وجهة ثقافية جديدة للمملكة. أيضاً وجود معرض كتاب دائم خلال فترة فتح القرية لأبوابها سيجعل الرياض العاصمة تحلم بالكتاب وتصحو عليه. المتاحف ستحيا من جديد. والمراكز الثقافية ستظل بعينين مفتوحتين طوال ستة أشهر. والتاريخ سيستيقظ لمدة نصف عام، والحاضر والمستقبل سيظلان على الموعد كل السنة. ستة أشهر فقط في العام، بآلية جديدة ونظام تذاكر مدفوعة جديد (المجاني في فترة الأسبوعين فقط، أما بقية الستة أشهر فبتذاكر مدفوعة من الزوار)، ستة أشهر ستغير وجه الجنادرية للأبد. لو قرر المسؤولون في الحرس الوطني اعتماد هذه الفكرة سنجد، كساكنين لمدينة الرياض، متنفساً حقيقياً جديداً لحيرتنا المسائية التي تتكرر كلما جن علينا الليل. وسيسهمون بلا أدنى شك في دعم اقتصاد مدينتهم الصحراوية الجميلة، وسنجد ما نجذب به السياح الأجانب الذين يريدون التعرف على ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا في مكان واحد. لو قرر المسؤولون في الحرس الوطني تبني هذه الفكرة فسأكون سعيداً، لأنها فكرتي أولاً، ولأنني سأستطيع ثانياً أن أجد ما أكتب عنه السنة المقبلة، إذ سأعود في وقت افتتاح مهرجان الجنادرية (المهرجان نفسه ذو الثلاثة أسابيع) وأكتب مقالة جديدة تُقيم التجربة وتتحدث عن سلبياتها وإيجابياتها. أما ثالثاً، فلأنني سأرى للمرة الأولى تجمعاً ثقافياً موسيقياً تراثياً قادراً على نحت شخصيته الخاصة المستقلة من خلال محاولات الصحيح والخطأ، بحيث يكون لمدينة الرياض بُعداً ثقافياً ذا وزن ثقيل يسهم في دعم الأنشطة الرائعة التي يقوم بها النادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون. لو قرر المسؤولون في الحرس الوطني تبني هذه الفكرة، فسيحتاجون إلى السماح بوجود فنادق عالمية صغيرة في القرية التراثية تفتح أبوابها لنصف عام لاستقبال الزوار المغرمين بالموسيقى والثقافة والتراث من داخل المملكة وخارجها. هو حلم كبير بلا شك، لكن رجال الحرس الوطني عودونا على تحقيق الأحلام.