تتناقل الصحف والمواقع الإلكترونية بين الحين والآخر نصوصاً صوتية وغير صوتية لأشخاص يبثون من خلالها مشاعر الكراهية ، والتحريض على فئات معينة من المجتمع ، تلك النصوص ليست سوى معول من معاول الهدم لتفتيت الوحدة الوطنية ، التي نحن الآن أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى تقويتها ، والنأي بها عن ذلك الخطاب الذي يزعم صانعوه أنه حق في حين أنه باطل محض. منذ أيام راجت بين تلك المواقع قائمة بريدية لأحد الموتورين ، تحمل أسماء شركات ومصانع ومنتجات لمواطنين ، يحرض على مقاطعتها بسبب انتماء أصحابها المذهبي ! ويطلب في آخرها العمل على نشرها ، وإضافة أسماء أخرى لقائمته ، قائمة الكراهية . ولم يقف في خطابه الكريه عند هذا الحد ، بل حمّله كمّاً من الأكاذيب والادعاءات التي لا يمكن بحال أن تصدر عمن يخشى على وطنه ، إذ ما كتبه ليس إلا باطلًا تلبس بلباس الحق ! ولعل أجمل ما ورد في الخبر ردود القراء وتعليقاتهم على صاحب القائمة ، ما يؤكد أن الناس مازالوا بخير ، وأن صناع خطاب الكراهية ليسوا مرحّباً بهم من كل الأطياف . لقد صار من السهل نسبة أي حدث لا يُرضي بعض الاطراف ، إلى الكتاب والصحفيين، حتى إن أحد الذين حاولوا فضّ تجمع معلمات محو الأمية أمام وزارة الخدمة المدنية ، نسب خروجهن إلى تحريض الليبراليين والكتاب فهم - حسب زعمه - من غرر بهن ! فأيّ جهل هذا ؟ وأيّ تدليس للحقيقة ؟ ومن هذا قول أحدهم : (لا أرى من كتبها إلا عميلًا لأجندة خارجية تحاول أن تلعب على وتيرة الطائفية البغيضة ... فنحن شعب سعودي واحد، ولاؤنا لبلدنا أولًا ، إخواننا الذين عاشوا معنا وتربينا على حبهم واحترامهم ،آباؤنا وأمهاتنا علمونا ذلك . لن يأتي دخيل ليقول لنا ماذا نفعل ، نحن نفعل ونقول من واقعنا إنه لا أحد، كائناً من كان، سيجعلنا نوقف التعامل مع شركة أو مخبز أو مصنع ؛ لأن عدونا يريد الفرقة لنا . لا وسنبقى على ما كان آباؤنا عليه . حفظ الله وطني من كل مكروه).. وتقول سيدة : (هل تعلمون من يتفرج علينا ويضحك في منتهى السعادة ؟ إنهم أعداء الله وأعداء المسلمين بكل طوائفهم..). إنه كلام ينضح بالوطنية ، ويكشف عن وعي بما يهدف إليه صاحب ذلك الخطاب.. ويدخل في خطاب الكراهية مقال راج في المنتديات ، نُسب لأحد الكتاب يسخر فيه من منطقة من مناطق بلادنا ، منطقة تنتمي إليها شريحة عريضة من المواطنين الذين ساهموا في خدمة الوطن أيما مساهمة ، وإليها ينتمي عدد كبير من المسؤولين ورجال الدولة وأساتذة الجامعات ، مقال لايمكن أن يوصف سوى أنه خطاب فتنة ، يحرض على الكراهية ويستعدي باقي المواطنين على بعضهم ، ومع أن الكاتب تبرأ من المقال إلا أن المراقب يتساءل بكثير من العجب لمَ نُسب المقال إليه دون غيره من الكتاب ؟ ما يؤكد أن معاول الهدم التي تستهدف وحدة الوطن لم تعد مقصورة على أناس بسطاء أو موتورين ، بل إن الأمر تخطاهم فبات يشكل خطورة كبرى ، عندما تولاه ذوو التأثير في المجتمع من كتاب وخطباء مساجد ودعاة ، الأمر الذي لا ينبغي الصمت عليه ، بل محاسبة من يثبت تورطه في صناعة هذا الخطاب الذي يستهدف الوطن ببث الفرقة بين أبنائه. أحد خطباء المساجد كما جاء في إحدى الصحف الإلكترونية (صوتا وصورة) ، صبّ جام سخطه على فئة الكتاب ومن يسميهم الليبراليين في لهجة يخيل إلى سامعها أنه يتحدث عن أعداء يتربصون بالوطن ، لا مواطنين لم يثبت قيامهم بما نسبه إليهم من عمالة للغرب وخيانة للوطن ، وأنهم مكثوا في(جحورهم) إبان التحريض على الفوضى ! وما ذاك إلا لأنه لم يقرأ لهم مقالا في الموضوع نفسه ، مما سوغ له اتهامهم بتلك الاتهامات التي تكشف عن حرص على التحريض، وإثارة الفتنة بين فئات المجتمع ، ويدخل في هذا السياق خطاب آخر لأحد الدعاة الفضائيين الجدد بما يشبه الاتفاق على ذلك ، ألقاه من أحد منابر الجمعة تلك المنابر التي خصصها الله لذكره (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الجمعة (9)، لكن بعضهم يصر على أن يحرف منبر الجمعة عن تلك الغاية النبيلة ، ليجعله وسيلة لبث الفتنة والاستعداء على فئة الكتاب ؛ إذ وصفهم بأقذع الأوصاف من نفاق وانحراف وشذوذ وخيانة للوطن، وعمالة للغرب بزيارة سفاراتهم ! وذلك لأنهم حسبما يزعم لا يكتبون في القضايا الوطنية وقت الأزمات ، وكل ما يعنيهم هو موضوع المرأة والاختلاط بسبب شهوانيتهم ! وهذا يجعلنا نتساءل عن مناسبة ذلك القول الآن ؟ وهل له صلة بالأحداث التي تعيشها المنطقة ؟ ألم يكن أجدر بالداعية أن يكون أكثر حكمة، وألا يخوض هذا الخوض الممجوج ، الذي بات لكثرة ترداده له نكتة سمجة لفرط قبحها وبهتانها وانتهازيتها ؟ إن هذا الاستعداء الممنهج على الكتّاب يتجاهل أن الملك خصهم بالذكر في خطابه ، أو لم يشكرهم بعد العلماء مباشرة بقوله : (ولا أنسى مفكري الأمة وكتابها الذين كانوا سهاماً في نحور أعداء الدين والوطن والأمة) . فكيف يأتي ذلك الداعية ويشكك في وطنية الكتاب ، تلك الوطنية التي استشعرها الملك وكل المخلصين من خلال ما يكتبونه دفاعاً عن الوطن ، وحماية لأمنه ووحدة مواطنيه ؟ لقد صار من السهل نسبة أي حدث لا يُرضي بعض الاطراف ، إلى الكتاب والصحفيين، حتى إن أحد الذين حاولوا فضّ تجمع معلمات محو الأمية أمام وزارة الخدمة المدنية ، نسب خروجهن إلى تحريض الليبراليين والكتاب فهم - حسب زعمه - من غرر بهن ! فأيّ جهل هذا ؟ وأيّ تدليس للحقيقة ؟ وأيّ افتراء على الكتاب الذين أصبحوا مطية للمغرضين وطلاب الشهرة ؟ ولمصلحة من يحدث هذا ؟ قلنا مراراً إن كان هؤلاء الكتاب متورطين حسب ما يدعي خصومهم ، فلماذا لم يحاسبوا ، كما هو شأن من خرجوا على قانون السلم العام ؟ ثم منذ متى يجري التسامح مع المخلين بأمن الوطن وسلامته ؟ أليس ذلك دليلاً على زيف تلك الاتهامات وأنها مجرد رغبة في تصفية الحسابات مع الخصوم ؟ ولماذا يحتكر أولئك حب الوطن ؟ ثم هل تتناسب تلك الألفاظ والادعاءات مع خطبة الجمعة التي يحضرها جمع من الناس ليسمعوا الموعظة ، لا ليشهدوا خصومات ويسمعوا ألفاظاً لا تليق بقداسة المسجد ؟ يقول أحد الكتاب المحايدين وهو يصف المشهد : (ويمكن أن أؤكد بكل وضوح أن هذه الحملة لتصفية الحسابات فضلًا عما فيها من تعميم خاطئ، وتدخل في النيات، واتهام بالخيانة، ومزايدة على المواطنة، واستخدام البعض منهم لعبارات سوقية لا تليق بمكانتهم، واستغلال سيئ للدعم السياسي لا يعد مثله من شيم الأحرار، فهو أيضا لن يخدم بحال مصلحة الوطن، ولن يساهم في حال من الأحوال بدعم حركة الإصلاح الذي ننشده، ولن يزيد المجتمع إلا توترا، وقلقا). إن الذي يبدو من هذه النصوص أن أصحابها تأخذهم الحمية ، حمية الجاهلية فيعمدون بوعي أو دون وعي إلى تمزيق أواصر المجتمع ، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا ! وقد تناسوا في غمرة حماسهم كل ما دعا إليه الإسلام من قيم المحبة والإخاء بين المسلمين ؛ فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ، وهو في الوقت نفسه من سلم المسلمون من لسانه ويده ، وهو الذي إن كان في أخيه المسلم ماذكره فقد اغتابه ، وإن لم يكن فيه فقد بهته . نُقل عن عمر بن الخطاب قوله : " إنّ أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه " ! ولا ريب أن إعجاب المرء برأيه يدخل في باب تزكية النفس التي نهى الله عنها (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) النجم ( 32 ) ، وقوله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) النساء (49) . ومن أسباب تزكية النفس (الافتتان بالدنيا واتباع الهوى والنفس الأمارة بالسوء ، وردّ الحق واحتقار الناس ، وتصعير الخد ، وتعمد مخالفة الناس ترفعاً ، والعجب بالرأي دائماً وإن كان خطأ ، والتفاخر بالعلم والمباهاة به) ! وحسناً تفعل وزارة الشؤون الإسلامية عندما أعلنت أنها تحقق حسب ما ذكره وكيل الوزارة لصحيفة الحياة فيما ورد في خطاب الداعية ضد الكتاب والصحفيين ، لاسيما صحيفتا الرياض وعكاظ ، وأنها ستعلن نتائج التحقيق خلال اليومين المقبلين !