يوسف الكويليت - الرياض السعودية ما بعد الثورات العربية الراهنة، ماذا ستكشف الدوائر السرية لأجهزة الأمن من وثائق ومعلومات تدين تلك الأجهزة، وقد تحدِث زلزالاً هائلاً في العلاقات الداخلية بين المؤسسات والأشخاص، بقضايا الفساد والمراقبة، والاتهامات التي توصل للسجون وفق رغبات الشخصيات النافذة أو صراعاتها، ومن هم المحاسيب والقريبون، وكيف وزعت الغنائم والسرقات وعقود التوظيف والصفقات التجارية وشركات التصنيع، وكل ما يتصل بحركة الحياة في تلك البلدان التي أصبحت مراكزها الحساسة عرضة للتسريب أو السرقة وبيعها في المزادات السرية؟ ما جرى في مصر في اقتحام مباني جهاز أمن الدولة، شكّل مخاوف أمريكية وإسرائيلية وأوروبية من أن تصل تلك الأسرار إلى فئات المجتمع لتكون ذريعة لتصعيد العداء مما يعني أن الوثيقة صارت أداة حروب قادمة على المستوى الداخلي والخارجي، ولم تعد القضية تتعلق بفساد مالي كسبته تلك الحكومات نتيجة هيمنتها على العصب الأمني، بل بتعرية الأنظمة مما قد يلحق الضرر بالعلاقات الدولية، وعلى الأخص إذا ما وجدت إملاءات تُفرض على تلك الدول لتنفيذ خطط لا تخدم الاتجاه الوطني أو تتدخل في شؤون دول ومنظمات أخرى.. فقد سبق للدول التي تحررت من الاستعمار أن استطاعت الحصول على بعض الوثائق الخطيرة، وكان الأرشيف النازي أحد مكاسب الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ثم كانت التسريبات التي حصلت عليها الدول الغربية من مركز ال«كي.جي.بي» السوفياتي الرهيب جزءاً من فك ألغاز تلك الدولة العظمى، وحتى وثائق شاه إيران التي حصلت عليها ثورة الخميني كانت مكسباً لها.. البلدان العربية تعرضت للعديد من الانقلابات وسيطرة الأجهزة البوليسية التي ذهب ضحيتها الآلاف، وفي أوضاع مستجدة، وتحت ضغط شعبي، سوف تفتح أبواب تلك الأجهزة السرية، وستطاول الإدانات مراحل تاريخية كاملة، قد لا تقتصر على الحكومات الُمطاح بها، والتي ورثت أنظمة وأجهزة تلك الحكومات، وقد تكون الحصيلة مرعبة ليس فقط في قتل الحريات ومصادرتها للمواطنين، وإنما للكيفية التي رسمت فيها السياسات والتسلح وعقد الصفقات السرية بين الأنظمة العربية والقوى الكبرى، بما فيها مسلسلات الحروب والاتفاقات المختلفة ، والسلام مع إسرائيل ومراحل الانتقال من الاتجاه شرقاً إلى التحالف مع الغرب، وأمامنا واقعة مهمة، إذ عندما احتلت أمريكا العراق، لم تذهب لحماية ممتلكاته الوطنية، بل ذهبت لسرقة أرشيف صدام حسين، ووثائق ومعلومات وزارة النفط، باعتبارهما الأهم من أي مصدر آخر، وكيف وصلت إلى حالة من الذهول والرعب عندما سرب موقع «ويكيليكس» معلوماته عن علاقاتها بدول العالم.. حرب الوثائق قد تكون الأخطر في تعرية الأنظمة العربية التي أسقطتها الثورات الجديدة، وربما ما يُعتبر مهدداً للأمن الوطني في وسط الفوضى، قد ذهب لمن تهمهم هذه الوثائق لاتخاذها أسلحة ضد الخصوم، والبيئة العربية خلال نصف قرن، مليئة بالأسرار المخيفة، وبكشفها سوف تتضح الحقائق من الأكاذيب..