ما الذي تخبؤه ملفات الدول العربية التي اجتاحتها الثورات من أسرار تتجاوز المفهوم العام عن مظاهر أفعالها وأعمالها؟.. لا أحد يدري بما سيبقى وما يتلف منها، فكل رئيس وحاشيته يعرف أن إدانة الوثيقة خطيرة جداً، وخاصة في مسائل الصفقات السرية عندما تظهر الدولة بصورة ما أمام الرأي العام، وصورة مختلفة أمام شعبها خاصة في ظروف داخلية ودولية متقلبة، وضعف الرقابة على الاتفاقات التي تجري.. فالغرب الذي يخفي الكثير من المضبوطات والأسرار باعتباره المخزون الأكبر في معرفة الأدوار التي تجري في المنطقة بحكم علاقاته التاريخية، ظل المستفيد من جميع المعاملات التي تحدث الآن، فقد نهبت أمريكا أرشيف العراق النفطي والسياسي، وهو كنز هائل، ثم ما حدث فضح تعامل القذافي مع الاستخبارات الغربية، وهي إشارة صغيرة لمعلومات ربما تعري ما كان يظهر به من دعم الثورات والمؤامرات وإسقاط الطائرات وغيرها، بينما الوجه الآخر تفيض ذلك.. في مصر بدأت تظهر بعض المعلومات حول حرق الكنائس وصفقات الغاز مع إسرائيل، وكوارث العبارات التي انتهت بقرارات مضحكة من المحكمة لتغطية المتسببين، وغيرها سوف يكون مثار جدل إذا ما كشفت كل الحقائق، وفي حال سقوط نظام سوريا إذا لم تحرق المعلومات المهمة والسرية، فإن فضائح مشابهة ستكون متداولة بين الجميع، وحتى في حال عدم توفر المعلومة، فإن شهادات الأشخاص، والمخازن والبنوك العالمية التي تأوي الأموال الهاربة ستبقى مصدراً مهماً لتواريخ مراحل حكومات ما قبل الثورات.. فبريطانيا التي تعد أكبر مالك لأرشيف العالم عن سكان القارات كلها، لا تزال تعتبر المعلومة سلاحاً كبيراً، استفادت منها في دراساتها وإذاعتها كوثائق نادرة، والعرب، بالتأكيد هم جزء من هذا الأرشيف، وكذلك أمريكا التي تعد مستودع أسرار العالم والمنزعجة من وثائق «ويكيليكس» تظل المهيمن على المعلومات العالمية، وحتى إسرائيل لا يمكن وضعها في الهامش والتي تملك مراكز أبحاث حول كل ما يتعلق بالعرب، وتتبادل المعلومات مع حلفائها، هي ركن من ركائز العالم في أسرار المنطقة كلها.. الاعتبار ليس فقط كشف الأسرار ونشرها على المواطنين، وإنما لقيمة كاتب التاريخ في تلك المراحل، ولا نعتقد في الحاضر أن الأسرار يمكن أن تبقى بعيدة عن الرأي العام الداخلي، والخارجي، طالما أصبح مجال النشر متاحاً في العديد من الوسائل والوطن العربي ساحة مفتوحة للاستخبارات العالمية، فهي بكل طاقاتها وطواقمها عجزت أن تجاري إسرائيل التي اخترقت الميادين السرية لهذه الدول، وإيران قد تكون أكثر كفاءة من الدول العربية في هذا النشاط، والمؤلم أننا في كل ظروفنا الطبيعية والمضطربة، عجزنا أن نكون جهازاً يخدم هذه الدول جميعاً، لأن الريبة والخوف هما السائد، بل إن التجسس على بعضنا يأتي في المرتبة الأولى على غيرها، والأمر مؤسف طالما لم نعرف أحد أهم الأسلحة في الحرب النفسية..