لا أجد مسوغا عقليا أو عاطفيا عندما يقتحم بعض كتابنا خانة الشأن الداخلي للأمصار والأقطار بعد سكوتهم ردحا من الزمن ووقوفهم على منصة المتفرجين، ثم بقدرة قادر يضعون أنفسهم في منصب الوصي والحريص والكاشف لخبايا الأمور والمحذر من تداعياتها. ليس من حجر على رأي المحلل أو المراقب، فأمثالهم يزودون القارئ والمشاهد بقراءة مختلفة ومتنوعة للمشهد الحالي، وهو الممتلك للمحصلة النهائية برفض أو قبول ذلك الرأي أو تأييده، ولكني لا أفهم سبب ضجيج البعض عندما اعتلى الشيخ منبر ميدان التحرير، بتأييد السواد الأعظم من الشعب المصري الذي احتشد في ميدان غير مجرى التاريخ منصتا إلى خطبة القرضاوي بعد طول غياب، فاقتنص جيش من الكتاب ذلك الحدث وجيره إلى قراءة استباقية لخصت أزمتهم مع الخصم: صعود القرضاوي على أكتاف الثورة، والتحذير من خطر الإخوان المسلمين وأجندتهم الخفية، وسرقة منبر التحرير من شبابه على يد حراس القرضاوي ولا صوت يعلو أو يشارك صوته وذلك على خلفية منعهم وائل غنيم من إلقاء كلمة بعد خطبة الجمعة... وهكذا تستمر مضخة تجيير الحدث بلسان حال: أخرجوهم من قريتكم!. الجانب الطريف في الأمر، صبيحة اليوم كنت أستمع لإذاعة بانوراما التي ضمنت مساحة حوارية مع والد وائل غنيم المقيم في أبها، سأله المحاور عن ردة فعل ابنه عندما منعه حراس القرضاوي من إلقاء كلمته، فأجاب الأب: «يبدو أن ما وصلكم هو الحدث، وليس ما بعده... لقد اعتذروا من ابني فورا، ولم يميزوه إلا بعد تنبيه الناس، وظهر ابني لاحقا وهو يشيد بخطبة القرضاوي وما ورد فيها»، إلا أن بعضنا يصر على فداحة الأمر وأن هذا السلوك يعبر عن مستقبل خطير يتربص بمصر وأهلها إن سمحوا لذلك التيار باستلام الدفة دون غيره، ولم يسلم القرضاوي من سيل الاتهامات التصنيفية التي كان ينكرها ويضيق بها الزملاء الذين كتبوا عنه عندما يتم وصفهم بتلك التصنيفات. كنت أتمنى أن لا يقع كتابنا في مأزق الشخصنة عندما يطرحون قراءتهم للمشهد المحيط، ويمارسون اختلاسهم في تجيير الحدث كاملا بناء على موقف لا يتجاوز ساعة من الزمن، ويبنون عليه تحليلاتهم واستنباطاتهم، بل وتندر بعضهم بالآراء المؤيدة للحدث وبتلاحم الشعب المصري في ثورته بعيدا عن الإيديولوجيات والتصنيفات التي كان مشهد الجمعة الماضية شاهدا عليه، ومن قبله مشاهد «الإلجام» في حماية المسلمين للأقباط في إقامة قداسهم، والعكس... أهل مصر يا سادة أدرى بشعابهم وشأنهم... فهونوا عليكم، ففيهم من النضج ما يفوق جميع سطوركم.