صالح محمد الجاسر - الاقتصادية السعودية مساء يوم الجمعة الماضي سهر العالم العربي كله يراقب ما يحدث في شوارع المدن المصرية من فوضى بدأت بمظاهرات سلمية، ثم تحولت إلى تخريب وحرق ونهب، جعل كثيراً من المتظاهرين أنفسهم يطالبون، وعبر القنوات الفضائية بتدخل الجيش لحماية الممتلكات العامة والخاصة، العالم العربي لم يكن الساهر الوحيد، بل سهر معه الاتحاد الأوروبي وبعض المسؤولين الغربيين الذين كانوا يدعون إلى إتاحة الفرصة للمظاهرات السلمية، على الرغم مما تعرضه شاشات القنوات الفضائية من صور للحرائق وعمليات النهب والتدمير التي تجري في كل مكان. ما حدث يوم الجمعة الماضي، وتغطية القنوات الفضائية العربية للأحداث يكشف أن هناك دورا خطيرا تقوم به بعض هذه القنوات، وهو دور بعيد كل البعد عن مهمة الإعلام الأساسية القائمة على نقل الوقائع بكل تجرد وحيادية، لا أن تتحول إلى وسائل فتنة تسعى إلى تأجيج الوضع، ودفعه إلى مزيد من الانفجار. إحدى هذه القنوات كانت تتعامل مع الحدث وكأنها طرف في المواجهة مع الحكومة المصرية، حيث عمدت عبر ما تنشره من أخبار وتحليلات وبث مباشر إلى تصعيد الموقف والدفع نحو مزيد من التأزيم والمواجهة. وهذا يذكرنا بالدور نفسه الذي قامت به هذه القناة في تأجيج الوضع في تونس، ما دفع ببعض القوى السياسية التونسية إلى وصف ما قامت به بأنه ""تآمر على حالة السلم المدني في تونس""، كما وصفت بعض القوى الحزبية المعارضة في تونس تعاطي هذه القناة مع أحداث تونس بأنه ""لم يكن تعاطيا محترفا وملتزما بقيم ومبادئ العمل الصحافي، بل كان في جوهره تعاطيا سياسيا يدفع في اتجاه مزيد من توتير الوضع من خلال أسلوب التهويل والتضخيم"". وسعت هذه القناة عبر البث المباشر وما يرافقه من تعليقات، وعبر بعض البرامج الحوارية الموجهة إلى تبسيط ما حدث في تونس، والحديث عن سهولة انتقال أحداث تونس إلى دول عربية أخرى، وأن الأمر لا يتطلب سوى الخروج في مظاهرات حاشدة، وسينتهي الأمر كما انتهى في تونس، وترافق مع هذا بث برامج عن أوضاع بعض الدول العربية، والقيام بنقل مباشر وحي لأي حادث يقع في أي بلد من الدول المستهدفة بالحملة، وبالمقابل تجاهل قضايا أخطر تقع في دول تعلق فيها المشانق، ليس للمعارضين فحسب، بل حتى لمن سار في مظاهرات تحتج على نتائج انتخابات مزورة. هذا الوضع الإعلامي المريب إذا ما ربطناه بما كان يتردد ومنذ سنوات عن مشروعات تفتيت وإشاعة للفوضى في بعض دول المنطقة، وبالأحداث المتسارعة التي يشهدها عالمنا العربي منذ بداية هذا العام، يثير كثيراً من التساؤلات عن الدور الذي تلعبه هذه القنوات فيما يرسم ويخطط لعالمنا العربي. لقد كانت هذه القنوات طوال الفترة الماضية تدعي المهنية والحرص على الرأي والرأي الآخر، ولكن تسارع الأحداث كشف كثيراً من ملامح الوجه القبيح لإعلام انتقلت مهمته من التنوير إلى التثوير.