صالح محمد الجاسر - الاقتصادية السعودية لم يكن لجوء زين العابدين بن علي إلى المملكة أمراً مستغرباً لمن يعرف المملكة وتاريخها، وما تمثله القيم العربية الأصيلة من مكانة عالية الشأن لدى قادتها، أما من يأخذ بالظواهر، ويحركه صراخ محللي القنوات الفضائية، فلا يمكن أن يستوعب هذا الأمر. بعض الذين اعترضوا على استضافة بن علي يدركون النهج الذي تسير عليه المملكة منذ نشأتها، وطبق على زعامات سابقة لجأت إلى المملكة، فلم يسمع لها صوت حتى عادت إلى بلادها، أو دفنت تحت الثرى، وهذا النهج يتمثل بشروط تطبقها المملكة على كل طالب لجوء، وفي مقدمتها الابتعاد عن العمل السياسي، وعدم القيام بأي عمل فيه إساءة إلى وطنه. وإذا كانت اعتراضات بعض المسيسين غير مستغربة، فإن الغريب أن نجد بعض من يوصفون بقادة العمل الإسلامي يعترضون على استضافة بن علي، وهم يدركون أن المملكة كان لها الفضل الكبير في الحفاظ على حياة كثير ممن فروا بدينهم من طغيان حاكم، أو تسلط حزب، فكان أن فتحت لهم المملكة أبوابها، فعاشوا فيها مثل أبنائها، والكثير منهم أصبحت المملكة هي وطنه الذي لا يعرف غيره. الأمير سعود الفيصل كان شديد الوضوح عندما تطرق إلى ما يثار حول استضافة زين العابدين بن علي، حينما قال: ""هناك عُرفٌ عربي، وكلنا عرب، والمستجير يجار، وليس أول مرة المملكة تجير مستجيراً بها، أو يزبن عندنا إذا ما زبناه، وسمعنا بأوصاف غير لائقة، المملكة سارت على نهجها الذي تبنته منذ زمن بعيد، ولا أعتقد فيه مساسا بالشعب التونسي وإرادته، ولا فيه أي تدخل في الشؤون الداخلية، ولا يمكن لهذا العمل أن يؤدي إلى أي نوع من العمل من أرض المملكة في تونس، فبالتالي هناك شروط لبقاء المستجير وهناك ضوابط لهذا الشيء، ولن يسمح بأي عمل كان في هذا الخصوص، وإنما نحن مع الشعب التونسي في بلوغ أهدافه، وفي بلوغ ما يرمي إليه قلباً وقالبا"". هذا التصريح وكذلك البيان الذي أصدرته المملكة عقب وصول زين العابدي بن علي يوضحان سياسة المملكة التي تسير عليها منذ تأسيسها، وبن علي ليس أول تونسي يلجأ إليها، فقد سبقه الحبيب بورقيبة قبيل استقلال تونس، كما سبقه من ليبيا بشير السعداوي الذي كان له دورٌ بارزٌ في استقلال ليبيا، والذي بقي فترة من الزمن في المملكة، وعمل مستشاراً لدى الملك عبد العزيز، قبل أن يعود إلى وطنه. والمملكة في موضوع إجارة من يستجير بها، واجهت قوى عظمى، وجعلت علاقاتها مع تلك الدول على المحك، ولم تتراجع عن إجارة من لجأ إليها، حتى أصبحت مضرب المثل في حماية من يستجير بها، ولعل في قصة لجوء رشيد عالي الكيلاني خير شاهد على ذلك، وهي قصة تستحق أن تروى.