د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري - لاقتصادية السعودية إن ما تعيشه المملكة العربية السعودية من نهضة عمرانية تنموية في كل المجالات يؤكد حرص القيادة السعودية على استثمار دخلها الوطني لخدمة الإنسان في أي مكان كان، وتحرص على الدفع بالمسؤولين لاستثمار كل هللة يتم تخصيصها في ميزانية الدولة السنوية لتصل إلى كل مواطن في قريته ومدينته, وفي الفترة الأخيرة أصبحت المشاريع التي تنفذ بمليارات الريالات هي السمة الغالبة لأكثر المشاريع التي بدأت بعض المناطق تقطف خيرها, لكن ومع الأسف الشديد الفكرة الطاغية لدى أغلبية الناس, وأنا هنا أستعمل أغلبية الناس مجازاً, لأن هذا الأمر تكرر ذكره من العديد ممن التقيتهم أو حاورتهم أو ناقشتهم عن المشاريع التي تنفذ في المملكة وإصرار بعضهم, وهم كثر, على أن مثل هذه المشاريع المليارية يتم دفع عمولات ورشاوي من أجل الحصول عليها, وبناء على ذلك أصبحت محصورة في عدد محدد جداً من الشركات, بحيث أصبح خير هذه المشاريع لا يطول أغلبية الشركات, كما أنها أدت إلى انتشار ثقافة الاتهام للمسؤولين عن هذه المشاريع، وأغلبيتهم من القطاع الحكومي أو من يدور في فلكه, فلا تجد مشروعا يعتمد إلا وتنطلق الشائعات وربما أحيانا الحقائق أن هناك رشاوي وعمولات تدفع من أجل الحصول عليها, وأن تلك الرشاوي تؤدي إلى سوء التنفيذ وتأخره, وربما اختفاء المشروع تماما, بحيث أصبح زرع ثقافة الفساد السمة الطاغية في أي مشروع. إن هذه الثقافة التي يحاول البعض تعزيزها في محيط العمل الحكومي والتأكيد عليها مع كل مشروع جديد أدى ويؤدي إلى العديد من التجاوزات من بعض موظفي القطاع الحكومي فيمن هم في مستويات مختلفة, بحيث أصبح قبول الرشوة أو الحرص عليها أمراً طبيعيا, وهذه الثقافة قادت العديد ممن يعملون ويتعاملون مع الشأن العام إلى مرحلة من التضجر والقلق نتيجة تعطل مصالحهم نتيجة دفعهم رشاوي من أجل إنهائها, حتى إن بعضهم لمجرد تعطل مشروعه لأي أسباب إدارية أو نظامية أو قانونية يعزون ذلك إلى الفساد الإداري وطلبات الرشوة التي يقابلها مشروعه حتى إن كان ذلك غير صحيح. إن نشر ثقافة الفساد وزرعها في أذهان المجتمع, خصوصا الشباب, يجعلهم ينشأون عليها ويقبلونها في حواراتهم ونقاشتهم سيؤدي إلى تأجيج هذا الفساد بشكل قصري، ويصبح من الأمور المألوفة في أسلوب ومنهج العمل الحكومي ثم انعكاس ذلك على بقية قطاعات الدولة, ما يؤدي إلى إضعافها ولا قدر الله وسقوطها, لأن الفساد وكما نعرف جميعا الأداة الأقوى لإضعاف لحمة الوطن وتماسك أبنائه ومؤسساته، ويتم من خلال محاربته تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني، ويضمن استمرار العطاء والتميز. إن الإصرار على زرع ثقافة الفساد في أذهان الجميع, خصوصا الشباب, يتطلب سرعة دراسة هذا الأمر والعمل على القضاء عليه وعلى مسبباته، ومن أهمها تقديم النموذج أو القدوة الواضحة والصالحة للعاملين، والتأكيد لهم من خلال الشفافية الحقيقية المباشرة عن عدم صحة ذلك, وإن صح تمت المحاسبة الواضحة والقاسية التي تمنع الإساءة للعطاء والإنجاز, وفي الوقت نفسه لا بد من إعادة النظر في موضوع احتكار المشاريع العملاقة لعدد محدد من الشركات, وربما يكون الأفضل أن يتم إنشاء شركات يفتح المجال للجميع للمساهمة فيها وفقا لنظام هيئة سوق المال, وربما أيضا تحويل بعض الشركات الناجحة إلى شركات مساهمة بحيث تصبح شركات محمية ومدعومة من المجتمع، ويصبح جميع أبناء وبنات الوطن شركاء في خير هذه المشاريع بشكل مباشر وغبر مباشر، وتصبح حمايتها ورعايتها وتنميتها مسؤولية الجميع, وهنا ربما نستطيع بشكل مباشر وبطريقة عملية وشفافة أن نجعل الجميع شركاء في التطوير والتنمية والقضاء على مروجي ثقافة الفساد وأنصارهم, وأيضا نحارب من يحاول الإساءة إلى هذا الوطن الغالي ممن أسميهم تجار ومستغلي الضبابية النظامية الذين لا يهمهم وطن, لكن تهمهم مصالحهم الشخصية البحتة, ممن يعشقون الفوضى وغياب النظام وكثرة التجاوزات والاستثناءات ممن يكونون سببا في الإساءة لأوطانهم وأهلها ورجالها, وهم في غالبهم أول المغادرين للوطن مع أول اهتزاز أمني أو اقتصادي أو سياسي, قاعدتهم نحن ومن بعدنا الطوفان. إن محاربة نظرية نشر ثقافة الفساد وأصحابها والقضاء عليها بالقدوة الصالحة والشفافية الحقيقية ونشر خير التنمية ومشاريعها على الجميع, إضافة إلى العديد من الإجراءات التي سبق الحديث عنها, وبعضها سأحاول أن أشير إليه في مقالات قادمة, هي الطريق للاستقرار والرقي الحضاري والوصول بالوطن إلى مصاف الدول المتقدمة عملا وفكرا وعطاء وقدوة. بارك الله في الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء, عربي اللسان, إسلامي المعتقد وعالمي الطموح, والله من وراء القصد. وقفة تأمل ""الفرص الكبيرة لا تعلن عن نفسها بالأضواء اللامعة.. إنها تختبئ بهدوء في انتظار القادرين على رؤيتها والالتزام بها، فرص الحياة الأثمن لا تظهر أمام الساعين للرضا السريع, بل تنتظر من هو مستعد ليعطيها من وقته وطاقته ما تستحقه، لا تظهر أمام من يطلب الضمانات أو من يتوقع الحصول على الجوائز الكبيرة مقابل مجهود بسيط؛ لأنها تشتق قيمتها من المخاطرة والجهد الضروري للوصول إليها، وفي الغالب يختبئ أكبر الفرص خلف ما يسعى إليه المبدعون والمتميزون"".