كشفت ورقة قدمها مجلس الغرف امس خلال ندوة حول الآثار الاقتصادية ان القضاء على الفساد في المملكة سيرفع متوسط دخل الفرد على المدى الطويل من 21 ألف دولار إلى 84 ألف دولار سنوياً واكد المجلس خلال كلمة القاها مدير عام البحوث بالمجلس مغاوري شلبي امام الندوة ان الفساد الاقتصادي يتسبب في هروب الاستثمارات المحلية ومنع قدوم الاستثمارات الأجنبية وذلك بسبب ارتفاع التكلفة التي تتحملها هذه الاستثمارات في شكل عمولات أو رشاوي، مبينا ان الفساد يعرض الاقتصاد الوطني بشكل خاص والعالمي بشكل عام الى كوراث وصدمات اقتصادية ويحدث عجزاً في موارد الدولة بسبب التهرب الضريبي والجمركي والتلاعب بالمال العام، وهو ما يؤدي إلى تراجع الإنفاق الحكومي على المرافق والخدمات العامة. وقال شلبي: على الرغم من بعض الانتقادات لمؤشر الفساد ومدى دقته في التعبير عن مدى انتشار الفساد، ومع ذلك فإن ترتيب المملكة هو 50 عالمياً، والسادس على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهناك تقدم في ترتيب المملكة عربياً في مجال تحقيق النزاهة ومكافحة الفساد، لكن ما زالت المملكة بعيدة عن المستويات الدولية المتقدمة. واضاف ان العوامل التي تغذي الفساد الاقتصادي في المملكة تتمثل في ضعف كفاءة إدارة المال العام (المشروعات المتعثرة مثالاً)، تراجع الوازع الديني والأخلاقي لدى البعض بسبب الانفتاح على الخارج، ثقافة المحسوبية والرشوة ومحاباة الاقارب، تنامي الاعتقاد العام بأن هناك استثناءات من تطبيق النظام، وجود مساحة واسعة للتقدير الشخصي ولتفسير الأنظمة لدى الموظفين في بعض الحالات، زيادة اندماج الاقتصاد السعودي في الاقتصاد العالمي (79%)، نشاط سوق المال في السنوات الأخيرة وتطلع البعض للثراء السريع من خلاله، الاختلاف بين الأسعار والاجور الحقيقية، وتأثر بعض الفئات بذلك خاصة العاملين بالقطاع الحكومي، تزايد دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وانسحاب الدولة من الرقابة التقليدية على الأسواق، ضعف تطبيق قواعد الحوكمة الرشيدة في الشركات، العمالة الوافدة ودورها في تغذية الفساد في الاقتصاد السعودي. واكد شلبي خلال الورقة ان أهم مخاطر الفساد الاقتصادي في المملكة تتمثل في انه يؤثر على كافة الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في المملكة، وأخطرها زيادة تآكل الطبقة الوسطى، وذلك بسبب عدم تكافؤ الفرص بين الأفراد والمؤسسات، والفساد على المستوى الاقتصادي الكلي في المملكة يؤدي إلى إحداث عجز في موارد الدولة، وهو ما يؤدي إلى تراجع الإنفاق الحكومي على المرافق والخدمات العامة، وهناك تأثير متبادل بين الفقر والفساد في المملكة، ومن ثم الفساد والفقر يشكلان دائرة مغلقة لن يتم كسرها إلا بالقضاء على الفساد. واوضح شلبي ان هناك عوامل تبشر بخير في مجال مكافحة الفساد بالمملكة منها الإرادة القوية من القيادة السياسية العليا وحرصها على ضرورة القضاء على الفساد بكافة أشكاله، زيادة الاقتناع على المستويات الرسمية والشعبية بخطورة وسلبيات الفساد على المجتمع، قيام السياسات الاقتصادية التي تبنتها المملكة مؤخراً على عنصري المصارحة والشفافية، أصبح هناك صراحة ومكاشفة كبيرة في الحديث عن الفساد وضرورة مكافحته في المملكة، الجهود الكبيرة والمؤثرة التي تقوم بها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. واوضحت الورقة ان هناك آليات يمكن ان تعزز الجهود المبذولة للقضاء على الفساد الاقتصادي في المملكة النظر إلى سياسة الحكومة لمحاربة الفساد في المملكة على أنها سياسة اقتصادية بالدرجة الأولى، وأنها ستؤدي إلى تحسين الأحوال المعيشية لجميع فئات المجتمع وخاصة الفقراء والطبقة الوسطى وكذلك اتخاذ هيئة مكافحة الفساد اجراءات صارمة بحق المتورطين في الفساد دون استثناء، وأن ينشر ذلك للمجتمع للتأكيد على مضي الحكومة في هذه السياسة الصارمة للقضاء على الفساد، كما اقترحت الورقة بأن تقوم الهيئة بالتعاون مع إحدى دور الخبرة بإعداد تقييم المردود الاقتصادي لعملها يتضمن تأثير محاربة الفساد على معدلات الفقر وعلى الدخول. واكدت الورقة ان القطاع الخاص يعاني من الفساد، ولكنه يعتبر مسؤولاً عنه في نفس الوقت واوضحت انه بالرغم من اتجاه القطاع لتطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة على شركاته ومؤسساته إلا أن الفساد يؤدي لفشل الحوكمة ولا يمكن فصل جهود وآليات مكافحته في منشآت القطاع الخاص عن جهود هذه المنشآت لتطبيق قواعد الحوكمة. واضافت الورقة: من المنطقي ألا يلقى عبء مكافحة الفساد على الجهات الحكومية فقط، وأن يكون لرجال الأعمال ومنشآتهم دور في الحد من هذه الممرسات، وذلك لكونهم أول المتأثرين بهذه الممارسات، سواء كانت داخل منشآت القطاع الخاص أو خارجها. وحول انتشار الفساد في منشآت القطاع الخاص، قالت ورقة مجلس الغرف: ان اسبابها تتمثل في ضعف الشفافية والمساءلة داخل بعض الشركات، وصعوبة تحديد المعايير التي تتم على أساسها إبرام العقود والصفقات وإرساء المناقصات، ودخول الشركات في مشروعات لا تخضع لدراسات الجدوى الحقيقية، وضعف أو انعدام المنافسة حيث يؤدي عمل الشركات في سوق احتكاري إلى لجوئها لكسب ود متخذي القرار في الشركات الأخرى أو في المؤسسات الحكومية، وذلك من أجل إبرام صفقات أو الحصول على عقود التوريد أو لتنفيذ المشروعات اضافة إلى الغش والتلاعب الذي تقوم به بعض الشركات في المنتجات، حيث يدفعها ذلك للبحث عن طرق لتصريف المنتج مع دفع عمولات ورشاوي للموردين سواء في الشركات الأخرى أو في المنشآت الحكومية. وحول آثر الفساد على منشآت القطاع الخاص كشفت الورقة انه يحمّل الشركات جزءاً من تكلفة الفساد، لأنه يضيف من 20% إلى 40 % لتكلفة الأعمال في الشركات، واتخاذ الشركات لقرارات قد تكون غير ضرورية على حساب قرارات ضرورية، كما يؤدي ذلك لتأجيل صفقات ضرورية للشركة مقابل التعجيل بصفقات تخدم مصلحة شخصية، وإضعاف الحافز والتطوير في الشركات، أيجاد مناخ من المنافسة غير العادية بين الشركات، مما يحمل الشركات (النظيفة) أعباء وتكاليف إضافية، أو يؤدي إلى خروجها من السوق. واستعرضت الورقة أهم المجالات التي يمكن أن يستخدم فيها القطاع الخاص الرشوة وتلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد ومنها الحصول على ترخيص لدخول السوق في القطاعات الجديدة الواعدة، ومنع حصول آخرين على تراخيص لدخول السوق في قطاعات معينة يسيطر عليها عدد محدود من الشركات، وصفقات بيع الاصول الحكومية في إطار برامج الخصخصة، وتأجيل إدراج مشروعات محددة في الخطة العامة للدولة، أو تعجيل إدراج مشروعات أخرى، وذلك لتحقيق مصالح شخص معين أو مؤسسة معينة، ومنع أو تعطيل أو وقف التحقيق في قضايا الممارسات التجارية غير المشروعة، مثل قضايا الإغراق والممارسات الاحتكارية ولمكافحة الفساد في قطاع الأعمال دعت الورقة إلى العمل على ترسيخ ونشر قيم النزاهة والشفافية، ومراجعة القوانين التجارية والتنسيق بينها، وتطبيق قواعد وإجراءات صارمة لتحقيق الشفافية في المشتريات الحكومية، وتبسيط الإجراءات وجعلها إلكترونية، ومواصلة إصلاح أنظمة العمل في المنشآت الحكومية ومنها «تحسين أجور العاملين، وضع معايير صارمة لقياس أداء العاملين، وضع معاير لمكافأة العاملين، فتح قنوات فعالة تمكنهم من الإبلاغ عن الفساد».