الشعب التونسي، شعب جميل وراقِِ، ومن يخالطه، يشعر برومانسيته، وعشقه للفن ولكل ما يرقق القلوب ويسمو بالمشاعر. لم يتوقع أحد، أن تنتقل مراكزالثقل التاريخي، إلى هذا الشعب "الحالم" وأن تتحول تجربته إلى "كابوس" يقض مضاجع الطغاة، وإلى حلم يتوق إليه المستضعفون في العالم. تونس.. نقلتنا من غرف الإنعاش إلى أسرة الإفاقة.. وكشفت ضآلتنا وأكذوبة "الوزن الإقليمي" و" الإقليم القاعدة" و"البلد الرائد".. الشعب التونسي رفض أن يظل موضوعا للمتاجرة وهدفا للاستغفال أو أن يستبيحه اللصوص في السلطة وفي المعارضة. الشعب التونسي.. نزع أقنعة الزيف عن الجميع، عرف أن الكل "نصابون": السلطة تقمعه وتسرقه.. وتريد "اخصائه" وكسر عينه وتحويله إلى"إرث" يرثه "القائد الأوحد" هو وأحفاده من بعده.. والمعارضة تستغله لابتزاز اللصوص الكبار بالسلطة، وعقد صفقات "شيلني وشيلك" معها.. التونسيون وهم يجتاحون قصور الرئاسة، داسوا بأقدامهم المخضبة بدماء الشهداء، على كل نتاج المثقفين من "سفسطة" و"ثرثرة" و"نظريات".. داسوا على كل الكلام الفارغ عن "الإيديولوجيا" و"ثورة الشغيلة" و"حكم البروليتاريا". الشعب التونسي لم يعرف شيئا عن تفكيكية "دريدا" وبنيوية " فوكو".. ولم يسمع قط عن المنهج "الأركيولوجي" والمنهج "الجينالوجي" في كتابة التاريخ عند محمد أراكون.. لم يحصل له شرف الاطلاع على "الهرمنيوطيقا" و"السميوطيقية" للثورجي نصر حامد أبو زيد.. ولم يقرأ سلسلسة :نقد العقل العربي" للمغربي محمد عابد الجابري.. الشعب التونسي داس بأحذية فقرائه الرثة وبأقدام فلاحينه الخشنة وبأيدي عماله السمراء على كل هذه "الترهات".. حرق أكثر من نصف قرن من تراث "الدجل" و"الشعوذة" واحتقر خلافات المثقفين واستاء من استعلائهم عليه.. صنع عالمه الخاص من معاناته وآلامه وأحلامه الحقيقية.. تحرك وحده وتحدى جبروت السلطة الفاسدة وآلاتها القمعية العاتية والوحشية وحده.. صنع أجمل وأروع أيام حياته وحده.. زلزل عروش الجبابره وحده.. جعل اسم تونس يكفي وحده لأن يتحسس اللصوص والطغاة والحكام الفاسدون مسدساتهم ويستنفرون أجهزتهم القمعية حال ذكر اسمها في مجالسهم وحده. تونس.. أيها البلد الحالم الجميل.. زدت بهاءا وجمالا.. ووقارا وهيبة واجلالا.. لقد أعدت إلينا الأمل في أن نكون يوما ما "بني آدمين".. وأن يكون دم بائع متجول للخضار عند الشعب أغلى وازكى وأطهر وأعز ممن قتلوه حتى لو كانوا من أصحاب الجلالة والسمو والفخامة.