في سياق تداعيات موقف الدكتور عبد الله الغذامي من الليبرالية في الإطار المحلي أشار الباحث هاشم صالح في مقال له بعنوان «مفهومان لليبرالية.. إيجابي وسلبي» إلى أن الليبرالية بمفهومها الإيجابي تنطوي على قيم إيجابية كاحترام التعددية الفكرية والاختلاف في الرأي والحرية المسؤولة والفهم العقلاني المستنير والمتسامح للدين واحترام المرأة والاعتراف بمواهبها وقدرتها على تطويرالمجتمع إلى جانب الرجل. هنا هاشم صالح كأنه يريد وضع تعريف لهذا المصطلح بمفهومه الإيجابي وكأنه يوحي للمتابع بأن هذه القيم محصورة فقط في الليبرالية وكأن الفكرة الإسلامية - وهي قسيمة الليبرالية في مفهوم هاشم صالح - لا تنطوي على عمق قيمي, وتضيق ذرعا بذلك النمط المجتمعي القائم على تعدد ألوان الطيف الفكري, وكأنها لاتنفك مقللة من فرص التباين في الرأي؛ مقال هاشم صالح يفيد - على ضوء مفهوم المخالفة - أن النظام الإسلامي بطبيعته يناهض الحرية المسؤولة ويندد بالتعاطي العقلاني - العقلانية المنضبطة بالشرط التأويلي - مع أدبيات التشريع ويصادر حقوق المرأة بعد شيئنتها!. إن تلك القيم العليا بمحدداتها الصحيحة لا شك يزخر بها نظام التشريع, بل هي تتمدد متبخترة على قمة مفاصل المجتمع النبوي الذي يشكل التشخيص الحقيقي لمنظومة القيم الدينية فقد كان ذلك المجتمع مزيجا ملونا من الخطوط المنهجية والنسيج المتمايز والمحكوم بأشد قوالب التباين الديني الذي جرى التعاطي معه - وفق وثيقة المدينة - على درجة عالية من الاستيعاب الذي يعزّ تموضع نظير له. أيضا قيمة احترام الرأي المغاير هي قيمة في منتهى المركزية كما تنطق بذلك تفاصيل الخطاب التشريعي وقد كانت المدينة مقر المتباين المكونات ولكافة صور تعبيرات الاجتماعي الحافل بضروب متغايرة. قضية المرأة هي الأخرى تعيش لونا من الكينونة النموذجية وفي منتهى المثالية وقد كان المُشرع الأول عليه الصلاة والسلام كان في جملة من شؤونه لا يصدر إلا عن رؤيتها والأمثلة في ذلك كثيرة ومن أبرزها استشارته المعروفة لأم سلمة رضي الله عنها وقبلها كانت خديجة تمثل المستشار الأول في البيت المحمدي الكريم. وإذا كانت هناك صور مشوشة في التعاطي مع الجانب الأنثوي فإنه لا يسوغ محاكمة النظام الديني أوالفكرة المثالية كوقوع ذهني وإنما يفترض توجيه اللوم لصورالسلوك المباين لطبيعة حيثيات الفكرة. إن المنهجية المعتبرة في التعاطي مع المصطلحات تقرر أن المصطلحات الحادثة التي لم يجر التنصيص عليها على نحو مباشر - كمصطلح الليبرالية مثلا في واقعنا القائم أو كمصطلحات أخرى كثيرة كالجهة والحيز والجسم ونحوها من المصطلحات التي يزخربها علم الكلام قديما وحديثا - كل هذه الأشياء الحادثة يفترض التعاطي معها انطلاقا من مبدأ الاستفصال والبحث عن الآفاق الدلالية للمصطلح وتتبع مواضع تَمَوضعه وآليات إسقاطه وعن ما يشعه من ظلال فإن كان يشي بدلالات صحيحة تتناغم ومنطق الاعتقاد المنهجي فليس ثمة تثريب على استدعائها وإن كان الأولى التّماس المباشر مع سواها مما له أصل ولا يبعث التعاطي معه على أي ضرب من التمويه المعرفي, وإن كان ذلك المصطلح ينطوي على ما فيه محذور فالمتعين هنا هو التجافي عنه والإزورار عن ملامسة ما يشعه من قيم مفاهيمية لا تنسجم ومتتاليات شرط الموضوعية الصارم. إن تلك المنهجية في التعاطي مع المصطلحات تقودنا إلى إنشاء سؤال: إذاكانت العناوين التي يكتنزبها مصطلح الليبرالية موجودة في الإسلام فماالباعث على الانحباس على ذلك المصطلح مع أن بالوسع الانفضاض عنه إلى غيره لاسيما أيضاإذاكان يترتب على تعاطي ذلك الضرب من المصطلحات نوع من الخلط والفوضوية التي تفتح الباب واسعا أمام أشكال التزوير الثقافي المغرض؟. إذاكان مصطلح الليبرالية - كما يؤكَّد احيانا - لايحوي بين دفتيه إلا دلالات ذات نفَس إسلامي أوأنه مصطلح تشكلت ملامح قوامه على ضوء المقاييس المعيارية في التشريع فإن هذا يمضي بناإلى إجراء تساؤول: إذاكان ذلك كذلك فما الضير في توسل المصطلح الإسلامي الصريح لاسيما وإذا كان الإضراب عن تعاطيه سيدلف بنا في نفق من الاحتراب الذي يبتر اللحمة ويضاعف الهوة ويولّد ألوان الانقسام ويثير قدرا من الاحتقان الذي قد يستعصي فيما بعد التحكم في تداعياته؟. وحاصل القول: إن كل القيم الإيجابية العليا وكل ماينطوي على مصلحة حقيقية للإنسان قد جاء به الإسلام وله أفضلية السبق في ذلك - كما نرى مثلا في حقوق الإنسان - وهذا هو الطبيعي فخالق الإنسان هو الأعلم بما يناسب طبيعة تركيبته ويتناغم مع ماهيتها الكلية وإذا كان الأمركذلك فما هي القيم الإيجابية التي لم تكن موجودة في الإسلام وإنماالليبرالية الغربية هي أول من نادى بها مستدركة ذلك النقص الذي اعترى هذا الدين؟! بصيغة أخرى أكررذات الاستفهام: هل الليبرالية تنطوي على مقومات إيجابية يفتقر إليها النظام في الإسلام الذي صرح الخطاب القرآني بكماله وشمولية محتوياته؟!