أُدرك جيداً مواقف التشدد السلفي تجاه قضايا المرأة وحقوقها، برغم من ظهور التباين والتناقض مؤخراً في بعض اتجاهاتها مع استمرار عدم خروجها من المعالجة السطحية لأزمة حقوق المرأة، ومثال التباين خروج شيخ سلفي بجانب امرأة كاشفة الوجه في مؤتمر في مدينة جدة، وتصريحه بجواز الاختلاط وكشف الوجه، ومثال التناقض مطالبة أحدهم إعلامياً بحرمة الاختلاط، ثم خروجه في احتفال مختلط، وعندما سئل عن ذلك قال إنهن من القواعد من النساء، وهن اللاتي يحل لهن أن يكشفن وجوههن، وإن كنت لا أفهم سر ربط انقطاع الحيض بانقطاع الرغبة في الزواج أو الرغبة في الجنس، وربط غطاء الوجه بدرء فساد المرأة!.. مثار هذا المقال هو في استخدام بعض الآراء الفقهية في مصلحة سلطة ومتعة الرجل وتجارته، فقد فجَّر الشيخ أحمد الكبيسي مفاجأة، عندما قال إن زواج المتعة محرم، لكنه ليس بزنا حسب المذاهب الأربعة، وحسب قوله، قد يحتاج المرْء المسلم في موقف الزنا أن يقول (زوجتك نفسي) من أجل أن يخرج من دائرة الزنا، ولم أدرك في ظاهر الأمر ماذا يريد أن يصل إليه الشيخ الكبيسي بهذا الرأي الفقهي الغريب.. كان هذا الرأي الفقهي الجسر الذي أوصل تجارة البغاء إلى التقنين في بعض الدول الإسلامية، وإلى اعتبار البغاء أحد مصادر التجارة في دول الانحطاط في عصور المسلمين، فقد كان أحد مصادر الضريبة في بعض دول المغرب العربي منذ القرن السادس عشر، وقد كتب عبدالرحمن الأركش مؤلفاً مهماً بعنوان (أنثروبولجيا البغاء في العالم العربي)، أرجع فيه سبب انتشار البغاء وتجارته في بعض دول المغرب العربي إلى أن المذهب الحنفي أكثر تسامحاً بكثير من المذهب المالكي في زواج المتعة، والذي لم يكن في الحقيقة سوى قناع من البغاء المتساهل معه في الوسط الإسلامي حسب قوله.. كان البغاء يتمتع بحق الإقامة القانوني في مدن إفريقيا الشمالية في ظل العثمانيين الذين كانوا على المذهب الحنفي، وقد أثبت المؤرخ التونسي ابن أبي ضياف علاقة التنظيم بالفترة العثمانية في استعراضه عن وظائف بعض القضاة وعلاقتهم بالبغاء، وقد استغل بعض مسؤولي الدولة العثمانية هذا الرأي لتقنين الضرائب على الباغيات، وكانت لهن سجلات وأرقام وشهادات.. تمَّ تسجيل هذه الظاهرة في مدينة الجزائر منذ القرن السادس عشر، إذ وصلت شهادات عن كيفية تنظيم هذا النشاط واندماجه في قضايا الضرائب العثمانية؛ ففي كتاب (دشين) حول البغاء في مدينة الجزائر المنشور سنة 1853م، وصف المؤلف بتفصيل تنظيم هذه المهنة، وضمن فقرات عديدة مخصصة لهذا الوصف، زعم أن قاضياً كان يدعى (مزوار) يقوم بعملية التسجيل من خلال إثبات أسماء البنات العموميات وجنسيتهن.. كان عالم البغاء استثماراً ضخماً لغايات ضريبية، وكانت سلطة الرجل المطلقة تخضع جميع المؤسسات، بما في ذلك الشرع، في خدمة ذلك الغرض، ومن خلال ذلك تحوَّلَ الشأن الديني إلى مجرد غطاء ليس لتبرير هذا التجاوز، ولكن لتشجيع، بل وحتى لشرعنة البغاء ولو بشكل غير مباشر، تماماً مثلما فعل الشيخ الكبيسي، الذي استطاع من خلال بوابة (زوجْتك نفسي) أن يشرعن بشكل غير مباشر لتجارة البغاء، والتي أصبحت ظاهرة ملحوظة في بعض دول الخليج. الجدير بالذكر أن تجارة البغاء لها رواج في بعض الدول العربية والإسلامية، بل إنها أصبحت أحد مصادر الدخل في بعض الدول، في حين أنها أصبحت غير قانونية في معظم الدول الأوروبية.. لذلك قد أفهم جيداً النوايا الحسنة عند بعض السلفيين ضد فساد المرأة، لكنها حسب وجهة نظري تفتقد للحلول، إذ لا يمكن أن يكون الحل المجدي والطويل الأمد جلوسها في البيت وتغطية الوجه عند الخروج، أو منعها من السفر والعمل في الأماكن المختلطة، أو الاكتفاء بتقديم التسهيلات التي تشرعن لسلطة متعة الرجل العابرة مثل المسيار والمسفار وغيرها.. يكون الحل مجدياً من خلال تقديم الحلول الشاملة التي تؤدي إلى العفة والكفاف في العيش، ومنها حل أزمة البطالة بين النساء والرجال، واحترام حقوقهم في التعليم والعمل والضمان الصحي، ووضع حد أدنى للأجور وفيه ضمان للمعيشة، وسن قوانين صارمة ضد تجارة الدعارة والتحرش الجنسي.. وأخيراً أن يدركوا جيداً أن سلطة الرجل المطلقة تؤدي إلى استغلال المرأة المغلوب على أمرها، والحل الأشمل يكون في تقوية مواقفها الاجتماعية والقانونية ومساندتها من أجل أن تكون أكثرة قدرة في الدفاع عن حقوقها أمام استبداد ونفوذ الرجل المتسلط.