صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية في مكتبة الإسكندرية، العدد السادس من سلسلة «مراصد»، متضمناً دراسة بعنوان «سُلْطة الحديث في السلفية المعاصرة: قراءة في تأثير الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ومدرسته»، للباحث ستيفان لاكوروا، وترجمة عومرية سلطاني. وتبين الدراسة أن الألباني كان واحداً من أعلى الوجوه الدينية مكانة في السلفية المعاصرة. ويندرج فكره ضمن صيرورة المدرسة الوهابية التي وصل من خلالها إلى المطالبة بتجديد للوهابية وتطهيرها من اللاتجانس الذي كانت تحويه، وفق رأيه. ولد محمد ناصر الدين الألباني في ألبانيا عام 1914 لأب كان عالماً متبعاً للمذهب الحنفي. وفي عام 1923 غداة وصول سلطة علمانية إلى حكم البلاد بعد استقلالها عن الإمبراطورية العثمانية المنهارة، قررت الأسرة مغادرة البلاد للاستقرار في دمشق. بدأ ناصر الدين الشاب أولاً بتعلم اللغة العربية، ثم مهنة الساعاتي، بينما كان والده يلقنه الأساسيات الدينية كما وردت في تقاليد الفقه الحنفي. وتشير الدراسة إلى أنه سيذيع صيت الألباني في سورية بالضبط خلال سنوات الخمسينات من القرن الميلادي المنصرم، بفضل معرفته للحديث الذي سيبدأ في تدريسه أسبوعياً بدءاً من العام 1954 في مجلس لم يكن رسمياً، وفي العام 1960 ستكلفه الشعبية التي صار يتمتع بها الخضوع لمراقبة أمنية رغم ابتعاده عن أية نشاطات سياسية. نشر الألباني كتابه المعنون «حجاب المرأة المسلمة»، والذي أعاد فيه قياس صحة عدد من الأحاديث المقبولة من قبل العلماء الوهابيين، فأفتى بحق النساء في عدم تغطية الوجه كاملاً. وتبين الدراسة أن مواقف الألباني ستصاغ على يد أهل الحديث الجدد في شكل نموذج أيديولوجي وسيولد عنها خطاب مضاد ل «الإخوان المسلمين» ومن بعدهم لتيار الصحوة بشكل أكثر منهجية. ويقول الباحث إنه إذا كان الألباني تمكن من أن يحتل المكانة التي وصل إليها اليوم داخل حقل الإسلام السلفي فلأنه عرف كيف يبني خطاباً دينياً قوياً كان قادراً، في الوقت ذاته، على تقويض شرعية أولئك الذين طالما هيمنوا على هذا المجال. إضافة إلى ذلك، وعلى منوال الألباني، ذلك الساعاتي ذو الأصول الألبانية الذي أصبح «محدث العصر»، فإن الأفراد الذين تم إقصاؤهم من شبكات العلم التقليدية هم الذين انجذبوا نحو هذا الخطاب. ويضيف الباحث: «لقد كان الأمر يقع خارج إرادة الألباني جزئياً حين بدا أنه وفر من خلال مواقفه الفقهية المتميزة، المساق المذهبي الضروري لظهور هذا التيار القوي الذي يمثله أهل الحديث الجدد - ذلك أنه إذا كان أهل الحديث الجدد هؤلاء ينسبون أنفسهم إلى تعاليمه فعلاً، فإن الألباني ومنذ سنوات الثمانينات كان انفصل عن القسم الأكبر منهم ليتبنى لغة أكثر توافقية. ومع ذلك كما نرى من خلال أمثلة الألباني وطلابه، يبدو أن هذه السلفية ذات النمط الخاص لعبت دوراً حقيقياً بوصفها «سلماً اجتماعياً» داخل المجال الديني؛ لتجسد ما نسميه هنا ومن خلال ما سبق، (سلطة الحديث)». يذكر أن «مراصد» هي سلسلة كراسات علمية محكمة تُعنى برصد أهم الظواهر الاجتماعية الجديدة، لا سيما في الاجتماع الديني العربي والإسلامي.