د.يوسف بن أحمد القاسم - الاقتصادية السعودية إنها - كما نعتها الحافظ الذهبي في السير - خديجة أم المؤمنين, وسيدة نساء العالمين في زمانها, أم القاسم ابنة خويلد بن أسد القرشية, أم أولاد رسول الله, وأول من آمن به وصدقه قبل كل أحد بإجماع المسلمين, وهي التي ثبتت جأشه, ومضت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل, ومناقبها جمة, وهي ممن كمل من النساء, فكانت عاقلة جليلة دينة مصونة كريمة, من أهل الجنة, وكان النبي يثني عليها ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين, ويبالغ في تعظيمها, حتى إن عائشة كانت تقول: ما غرت من امرأة ما غرت من خديجة, من كثرة ذكر النبي لها. ومن كرامتها عليه أنه لم يتزوج امرأة قبلها, ولم يتزوج عليها قط إلى أن قضت نحبها, فوجد لفقدها؛ لأنها كانت نعم القرين والنصير. ولوفائها وثرائها كانت تنفق عليه من مالها, ويتجر هو لها فكان لها المضارب الأمين, فتنامت ثروتها, وقويت صلتها بالنبي صلى الله عليه وسلم بزواجها منه وهي ابنة أربعين سنة, وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة؛ لطهرها وعفافها, قالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها, واستغفار لها, فذكرها يوما, فحملتني الغيرة, فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن, فرأيته غضب, فقلت في نفسي: اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء, فلما رأى النبي ما لقيت, قال: كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس, وأوتني إذ رفضني الناس, ورزقت منها الولد. لقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم وزيرة صدق, أي بوفائها, ونصرتها, ووقوفها إلى جانبه, وفي الوقت ذاته كانت ربة بيت, تحوطه بأنوثتها, وتنعم عليه بأولاده ورعايتهم, الذين اختصها الله بهم من بين سائر زوجاته الطاهرات. فأولادها منه القاسم والطيب والطاهر ماتوا رضعا, ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة, ماتوا كلهم في حياته سوى فاطمة. فمن فقد أولاده في حياته لا سمح الله فليتعز بنبيه صلى الله عليه وسلم الذي ذاق لوعة فقد أولاده في حياته عليه الصلاة والسلام, كما فقد قبل والديه. وحين بدئ الوحي بالنبي صلى الله عليه وسلم رجع ترجف بوادره, حتى دخل على خديجة, فقال: زملوني, فزملوه, حتى ذهب عنه الروع, وقال: قد خشيت على نفسي, فقالت له: كلا, أبشر, فوالله لا يخزيك الله أبدا, إنك لتصل الرحم, وتصدق الحديث, وتحمل الكل, وتعين على نوائب الحق, وانطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان امرأ تنصر في الجاهلية فقالت: اسمع من ابن أخيك ما يقول, فقال: يا ابن أخي, ما ترى؟ فأخبره, فقال: هذا الناموس الذي أنزل على موسى. ومن ذكائها وطهارة فطرتها, ما جاء في سيرة ابن هشام بسند منقطع, أنها قالت لزوجها وحبيبها محمد صلى الله عليه وسلم في المراحل الأولى من نزول الوحي: يا ابن عم, أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك؟ فلما جاءه, قال: يا خديجة, هذا جبريل, فقالت: اقعد على فخذي, ففعل, فقالت: هل تراه؟ قال: نعم, قالت: فتحول إلى الفخذ اليسرى, ففعل, قالت: هل تراه؟ قال: نعم, فألقت خمارها, وحسرت عن صدرها, فقالت: هل تراه؟ قال: لا, قالت: أبشر, فإنه والله ملك, وليس بشيطان. وجاء في الصحيحين أن جبريل نزل على رسول اللَّه, فقال: (يا رسول الله, هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربِّها ومني, وبشرها ببيت في الجنة من قصب, لا صَخَب فيه ولا نَصَب). وقَوْلُهُ: (مِنْ قَصَبٍ) هي اللُؤْلُؤَةٌ المُجَوَّفَةٌ الوَاسِعَةٌ, كَالْقَصْرِ الْمَنِيفِ, قَالَ السُّهَيْلِيُّ كما في فتح الباري: "النُّكْتَةُ فِي قَوْلِهِ: (مِنْ قَصَبٍ) وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ لُؤْلُؤٍ؛ كوْنِهَا أَحْرَزَتْ قَصَبَ السَّبْقِ بِمُبَادَرَتِهَا إِلَى الإِيمَانِ دُونَ غَيْرِهَا, وكَانَتْ حَرِيصَةً عَلَى رِضَاهُ بِكُلِّ مُمْكِنٍ، وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهَا مَا يُغْضِبُهُ قَطُّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (بِبَيْتٍ) فلِذِكْرِ الْبَيْتِ مَعْنًى لَطِيفٌ؛ لأَنَّهَا كَانَتْ رَبَّةَ بَيْتٍ قَبْلَ الْمَبْعَثِ؛ ثُمَّ صَارَتْ رَبَّةَ بَيْتٍ فِي الإِسْلامِ منفردة به، فَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فِي أَوَّلِ يَوْمِ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتُ إِسْلامٍ إِلا بَيْتُهَا، وَهِيَ فَضِيلَةٌ مَا شَارَكَهَا فِيهَا أَيْضًا غَيْرُهَا.. - فلم يكن ثراؤها سببا في تمردها على قيمها, بل كانت امرأة مصونة قبل بعثته، صلى الله عليه وسلم, وبعد البعثة - وأما قَوْلُهُ: (لا صَخَبَ فِيهِ, وَلا نَصَبَ)، فالصَّخَبُ: الصِّيَاحُ وَالْمُنَازَعَةُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ، وَالنَّصَبُ التَّعَبُ. َومُنَاسَبَةُ نَفْيِ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَعَا إِلَى الإِسْلامِ أَجَابَتْ خَدِيجَةُ طَوْعًا, فَلَمْ تُحْوِجْهُ إِلَى رَفْعِ صَوْتٍ, وَلا مُنَازَعَةٍ, وَلا تَعَبٍ، بَلْ أَزَالَتْ عَنْهُ كُلَّ نَصَبٍ، وَآنَسَتْهُ مِنْ كُلِّ وَحْشَةٍ، وَهَوَّنَتْ عَلَيْهِ كُلَّ عَسِيرٍ، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهَا الَّذِي بَشَّرَهَا بِهِ رَبُّهَا بِالصِّفَةِ الْمُقَابِلَةِ لِفِعْلِهَا" أه فهل تخطو نساء المسلمات حذوها في حسن تبعلهن لأزواجهن, وإذعانهن لتعاليمه وسنته صلى الله عليه وسلم..؟ لتحذ سيدات الأعمال حذو خديجة في نجاحها في تجارتها وبعد نظرها حتى بلغت تجارتها الشام. لتحذ سيدات الأعمال حذو خديجة باختيارها الأكفاء في إدارة أعمالها. لتحذ سيدات الأعمال حذو خديجة في حسن تبعلها لزوجها, وشغفها ببيتها وأولادها. لتحذ سيدات الأعمال حذو خديجة في طهارتها وعفافها. وبعدها سنفاخر بكن الأمة بأجمعها.