مصطفى الأنصاري نقلا عن «الحياة». صحيح أن «الشماتة» ليست من خلق المؤمنين، ولا النبلاء من الناس أياً كانوا بوذيين أو يهوداً، عرباً أو عجماً، إلا أن أي إنسان حرٍ، يتابع «الحجر الطاغي» على المعلومات في محيطنا العربي، لا يسعه إلا أن يتردد في نفسه جانب من «الشماتة»، وهو يشعر بشيء من غيظ تشفيه «أطنان الوثائق»، تتكشف يوماً بعد آخر. تعري ظالماً، أو تكشف سارقاً، أو تذيع جميلاً. لكن بعيداً عن الأطراف المتضررة مما حدث، إن كانوا أصلاً أو بالتبعية، فإن شماتتي تتركز على الجانب «الصحافي» في القضية. ففي عالم أمتنا، ما من أحد يعاني مثل «الصحافي الصادق» إن وجد. هذا الصحافي فرداً كان أو مؤسسة يعاني بين سياط نُظم لا تغفر تسريب جملة ولو معترضة، مما تعتقد أنه سر مكنون، وبين نهمٍ وشغفٍ شديدين من الجماهير، لمعلومة هنا أو هناك، أو تفسير أي موقف يحدث من جانب هذا المسؤول أوذاك. فإن أرضى الصحافي الطرف الأول باتباع مزاجه ونقل ما يمتعه ويؤانسه، «عُودى وكُره» من الناس. (الأمثال في بطن القارئ والكاتب). وإن حدث العكس، وانحاز الصحافي إلى ضميره وأمته وقرائه - كما ينبغي أن يكون، حيث «الرائد لا يكذب أهله»-، فإن مصيره «التهميش والتطفيش» في أحسن الأحوال، وإن كانت له حيلة من شجاعة أو مصادر مغامرة، فإنه ليس في مأمن من اتهامه، ب «كبائر الموبقات» وأطره على «الصمت والبلادة» أطراً. ومن سوء الحظ، أنه حتى البلدان التي يمن الله على العباد بسلطة ترعى فيهم «إلاًّ أو ذمة»، وتمنح المعلومات قدراً من النفَس والأكسجين، يأتي مَن دون السلطة مِن الطبقات والفئات، فيمارس أربابها ما استطاعوا من تهويلٍ، حتى يفسدوا ما أمكنهم، بعض الهواء الذي تفضلت السلطة ببقائه عليلاً. وحتى تجتمع على أولئك الصحافيين «الشرور»، تلوذ السلطات إلى نظرائهم الأجانب، كلما أرادت قول شيء ذي بال، فهل يستوي قول شاهده صحافي من بني يعرب، وآخر شاهده ومطلقه من بني الأصفر؟ ويبلغ الحصار أشُدّه، حين يطاول الكتبة على الشبكة المفتوحة «الانترنت»، الذين إن حُرموا الحديث عما يدور في الغرف التي «كانت حساسة» قبل استباحة «ويكليكس، غنموا بث ما في صدور الجمهور الذي لم يصل الفتات الذي يبلغه من المعلومات المهمة، حد «الرمق». بعد كل هذا القحط، هل نلام في تحريف الدعاء المأثور، ولو مرة واحدة، لنقول «اللهم إنا شامتون»؟