صدر منذ أيام تقرير الحالة الدينية الأمريكي، وكالعادة أدان الجميع إلاّ أمريكا! وكأن الأقليات الدينية في الولاياتالمتحدة تتمتع بكامل حقوق "المواطنة". استهلالاً.. فإن هذا التقرير، لا يصدر من منطلق "إنساني" وإنما من مبدأ "سياسي" استعلائي، يفترض اعتلاء واشنطن منصة "الوصاية الأبوية" على الجميع.. بصفتها تمثل الإنسان الأبيض "السوبر"، والذي أسدل التاريخ ستائره النهائية بوجوده.. وذلك حسبما قرّر الأمريكي (فرنسيس فوكو ياما) في كتابه الشهير "نهاية التاريخ.. والإنسان الأخير" عام 1992. لا يوجد في العالم تقرير مشابه لهذا التقرير الأمريكي.. ولو وجد لسجل ملاحظاته على المجتمع الأمريكي ذاته، والذي تجلّت عنصريّته أثناء السباق الانتخابي على مقعد الرئاسة الذي فاز به الرئيس الحالي حسين أوباما.. فقد كشفت التجربة الأخيرة اعتماد المجتمع الأمريكي ونخبته السياسية على التمييز على أساس "النوع" أو "الجنس" عندما رفض أن تتولى امرأة "هيلاري كلينتون" موقع "الولاية العامة" بحسب اصطلاح الفقه السياسي الإسلامي.. وعدم تخليه عن "الفرز الطائفي" أو التمييز على أساس "اللون" وذلك في موقفه المعادي من أوباما.. بسبب أصوله المسلمة والإفريقية.. والتي بلغت حدّ نشر رسوم كاريكاتورية في الصحف الأمريكية تتوقع بأنه سيكون أحد أهم "الخلايا النائمة" لتنظيم القاعدة في البيت الأبيض! قليلة جداً.. أو تكاد تكون معدومة تلك التقارير التي تتكلم عن "الحالة الدينية"، أو عن حقوق الأقليات الإثنية والعرقية والدينية في الولاياتالمتحدةالأمريكية.. غير أنه عشية اختيار الحزب الديموقراطي الأمريكي لباراك أوباما، مرشحاً رسمياً له على مقعد الرئاسة يوم 28 أغسطس عام 2008، نشر (واشنطن ريبورت)، دراسة بعنوان: "أوباما يبدأ تاريخاً جديداً لأمريكا والعالم" تعرض ل"ميراث العبودية لأمريكا"، وذلك بمناسبة الأصول الإفريقية والمسلمة للمرشح الديموقراطي، قال فيه بالنص: "و على الرغم من قرب دخول أوباما البيت الأبيض، يصعب القول إن الأمريكي الأسود قد نال كل الحقوق، والفرص المتاحة لنظيره الأبيض بعد.. نعم تحسّنت ظروف معيشة السود بشكل عام، لكن الفوارق لا تزال قائمة. صحيح، أنهم لم يعودوا يُمنعون من دخول المطاعم والمسارح ودور السينما، ونعم هناك الكثير من رؤساء الشركات ورؤساء المدن والصحفيين والناجحين في كل المجالات، وطبقاً لإحصاء عام 2000 بلغ عدد السود (34.7) مليون نسمة، أو نسبة 13.4% من إجمالي عدد السكان. وتبقى المشاكل الكبيرة للسود الأمريكيين ممثلة في عدة ظواهر مقلقة أبرزها: • الفقر: يعيش 24.7% من السود تحت خط الفقر، وتبلغ هذه النسبة 12.7% على المستوى القومي الأمريكي. ويُقصد بالفقر أمريكياً حصول عائلة مكونة من أربعة أفراد على أقل من ($18,400) سنوياً. • التعليم: يتعرض التلاميذ السود في حالات الإخلال بالنظام لعقوبات أكثر صرامة من نظرائهم البيض، ويجد الكثير من التلاميذ السود أنفسهم في مدارس ضعيفة التجهيز. • الصحة: معدل عمر الأمريكي الأسود أقل من نظيره الأبيض ب (6) سنوات. • العدالة ونظام المحاكم: يتعرض السود أكثر من غيرهم لرقابة الشرطة في الأماكن العامة، كما أن احتمال الحكم عليهم بالإعدام يبلغ أربعة أضعاف احتمال الحكم على البيض في الجرائم المشابهة. • السكن: تكون الأماكن الأكثر تلوثاً في الولاياتالمتحدة عادة على مقربة من مناطق سكن السود. • الزواج المختلط: لا تزال نادرة بين السود والبيض وتبلغ فقط (0.6%). • سياسياً: يوجد عضو واحد بمجلس الشيوخ من السود (باراك أوباما- ديموقراطي- ولاية إلينوى) من بين (100) عضو بنسبة 1% من الأعضاء، ويبلغ عدد أعضاء مجلس النواب (42) عضواً من بين (435) بنسبة 9.6% من الأعضاء. ويحصد الحزب الديموقراطي ما يقرب من 90% من أصوات السود، ومعظم أعضاء الكونغرس منهم ينتمون للحزب الديموقراطي. وعملية تطور حصول السود على حقوق متزايدة بلغت أقصى مراحلها مع توقيع الحكومة الأمريكية في عام 1994 على معاهدة الأممالمتحدة بمحاربة كافة أشكال التمييز والاضطهاد بسبب العراق أو اللون أو الموطن الأصلي. وترى الإدارات الأمريكية المتتالية أن الطريق ما زال طويلاً أمام اختفاء كل أشكال التمييز في الولاياتالمتحدة في الحياة اليومية والفعلية، وإن قطعت شوطاً طويلاً من الناحية القانونية". انتهى أمريكا إذن ليس على رأسها "ريشة" وإنما "بطحة" كبيرة.. والمشكلة تتلخص في اختلال معايير العدالة؛ فقد باتت "القوة" هي التي تقرر "الحقوق"، وتنزل أصحابها منزلة "المقدس"، والسيد المطاع الذي لا يُردّ له أمر.