محمود سلطان - الاسلام اليوم البعض يتذرّع بأنه "مثقف" أو"محلل" سياسي وليس "ناشطاً سياسياً"، وذلك للتهرب من واجبه الوطني، ومن سداد فاتورة الإصلاح، ولتبرير غيابه عن المشاركة في فعاليات الحركات الاحتجاجية والتي لا تزال في عدد من الدول العربية في مراحلها البكر، ولم تتجاوز بعد "أضعف الإيمان": حدود النشاط الاحتجاجي الرمزي. فإذا سألنا أين فلان أو علان؟! من الأسماء الكبيرة، وبعضهم نال جماهيرية نسبية بدون ثمن، جاءنا الرد سريعاً: هذه ليست وظيفته.. فهو مثقف أو منظر أو محلل سياسي، دوره عند هذه الأسقف، ولا ينبغي لنا أن نشغله بالعمل الحركي في الشارع! المشكلة أن لكل اسم من هذه الأسماء "دارويش" أو حاملي المباخر، يقضون ليلهم ونهارهم في الدفاع عن "المثقف الرمز" وتكبير صورته وتصغير تقصيره في حق بلده وشعبه واستحقاقات المرحلة. د. عبد الوهاب المسيري على سبيل المثال وهو أكاديمي وأستاذ جامعي، وصاحب المؤلفات الموسوعية وآخرها "اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد"، والمكونة من ثمانية مجلدات، وصدرت عام 1999، وتُرجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية والفارسية والتركية والبرتغالية، وسيرته العلمية مكتظة بالأنشطة والخبرات التي تذكرنا بعلماء سلفنا الصالح منذ تعيينه معيداً في كلية الأداب في جامعة الإسكندرية، وسفره إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وحصوله على الماجستير عام 1964 من جامعة (كولومبيا)، ثم على درجة الدكتوراة عام 1969 من جامعة (رَتْجَرز) ثم قيامه بعد عودته بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود، ثم عمله أستاذاً زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية، وجامعة ماليزيا الإسلامية، وعضواً بمجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، ومستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأممالمتحدة بنيويورك، ثم عضواً بمجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية ب(ليسبرج)، بولاية فرجينيا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتوليه مهمات استشارية لعدد من الإصدارات في ماليزيا وإيران والولاياتالمتحدة وإنجلترا وفرنسا (راجع سيرته الذاتيه على موقعه الإلكتروني).. وهي سيرة ربما لا يضاهيه فيها أي أكاديمي أو مثقف غربي آخر.. و على الرغم من هذا كله لم يدِّع يوماً ما بأنه محض "مثقف" أو "محلل" سياسي، وأن ذلك يعفيه من مشاركة القوى السياسية في بلده فعلاً كل مظاهر احتجاجاتها وتجلياتها على الأرض. المسيري شارك في تأسيس (حزب الوسط)، وكان رغم كبر سنه وإصابته بالسرطان أكثر نشطاء الحزب حيوية وحركة فاقت حيوية شبابه وقياداته الكبيرة والمعروفة، ثم شارك في تأسيس حركة (كفاية) وتولّى مناصب قيادية فيها، وكان في صدارة المشهد السياسي الحركي المصري، يتصدى لهراوات الشرطة وأحذيتها الخشنة.. وقد ضربته في إحدى المظاهرات التي قادها بنفسه واختطفته هو زوجته، وألقت بهما في الطريق الصحراوي.. وظل على هذا الحال قائداً حقيقياً للشارع المصري إلى أن توفاه الله تعالى في يوليو 2008 عن عمر يناهز السبعين عاماً رحمه الله.. ولتكون جنازته تجسيداً لمقولة أحمد بن حنبل: "بيننا وبينكم الجنائز".