استئنافاً لحديثي الموجه إلى المشتغلين بالتربية والتعليم، أقول ان مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا هي بيوت التربية والتعليم، والإنسان يهتم بتحسين بيته وتجميله، لذا فعلينا ان نجعل مؤسساتنا التعليمية بيئة جذابة، مفرحة، تتعلق بها قلوب الطلاب والطالبات، وكل واحد من المنتمين للمؤسسة عليه جزء من هذه المسؤولية. ** ** ** ** كما أؤكد أنه كما تظهر الأعشاب الضارة بين الأشجار المثمرة، يظهر في المجتمع بعض الأفراد المنحرفين المفسدين، يخدعون أو ينخدعون بسراب يحسبونه علماً وما هو إلاّ زيغ وضلال. لا مجال في مدارسنا، ولا في مؤسساتنا التعليمية المختلفة لأمثال هؤلاء، وعلينا الا نسمح لأحد ان ينبس بكلمة توحي بموافقتهم أو التعاطف معهم، ولا حتى ان يغمض الطرف لحظة عنهم. إن الجريمة قبل وقوعها تكون فكرة شريرة في ذهن صاحبها، لذا فمن واجبنا تحصين العقول ضد هذه الجرائم، ومحاربتها واجتثاثها حال ظهورها. ** ** ** ** يقول مثلنا العربي (التعليم في الصغر كالنقش على الحجر) فصغير السن يتأثر بعمق بما يدور حوله من الكبار، ولذا فإن كثيراً من الأعمال الشريرة التي يقوم بها الصغار في السن هي من جراء رؤيتهم وتأثرهم بما يقوله ويفعله أحد الكبار حولهم. ** ** ** ** ولقد أثبتت الدراسات التي قامت بها الجهات المسؤولة في بلادنا وبلاد أخرى ان شغب، بل وعنف بعض الصغار والمراهقين، وموقفهم العدائي من أهلهم والناس هو نتيجة تأثرهم بموقف أو برأي من أحد ممن حولهم، معلمين كانوا أو مرشدين أو وعاظاً. ** ** ** ** إن التأثر يأتي بطرق غير مباشرة، ويترك آثاره بقصد متعمد أو دون قصد.. والأمثلة على ذلك كثيرة.. مررت بها ولا يزال بعضها محيطاً بنا رغم تطور الحياة وانتشار نور العلم والمعرفة منها: تحريم السلام الملكي، وإدانة بعضهم لمن يقفون تحية للعلم السعودي، ومنها: ذلك المعلم الذي نهرني حينما كنت مسؤولاً عن وضع صور قادتنا في صدر مكتبي، وان هذا عمل يرقى إلى درجة الحرمة. وكذا ذلك الذي خرج على الملأ معلناً ان تأييدي لإدخال التربية البدنية في مدارس البنات عمل شائن مخالف للشرع، هاتك للكرامة والشرف. ** ** ** ** إن أصحاب هذه المواقف والرؤى شر مستطير، والسكوت على فعلهم وقولهم تفريط في حق الوطن وحق ولاة الأمر.. بل والحقيقة ذاتها.. فلتحرص الغالبية العظمى من المربين والمربيات الأفاضل على اكتشاف هؤلاء النفر القليل المندس بينهم، وليعملوا على تطهير مؤسساتنا التعليمية من شرير أفكارهم، وغوي نزعاتهم وشطط رؤاهم، ومثلهم هؤلاء الذين يصرون على تضمين المقررات الدينية المدرسية أموراً لا ترقى في فوائدها إلى مستوى التربية الإسلامية أو الفائدة التعليمية؛ من مثل اصرارهم فيما مضى على ذكر أمور ليست ذات أهمية.. كعدم جواز الاستجمار بالعظم لأنه من طعام الجن، وعدم جواز الصلاة في معاطن الابل، وان ابليس يتصدى للاذان للصلاة حين يسمعه بالادبار والضراط، بالله أفيدوني ماذا سيستفيد الصغير من ذكر هذه الأمور - وما شابهها؟!! ** ** ** ** ومما يفوق عقول الصغار، ولا يتأتي يوماً لحاجتهم ما جاء من تقسيم الماء إلى طاهر وطهور ونجس وكذا ان الغسل من الجنابة يكون بالصاع إلى خمسة أمداد، وذكر إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، وكذلك ذكر ان الطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة.. هذه معارف غامضة - فوق إدراك الصغار، ولا حاجة لهم بمعرفتها أبداً، وان كان ولابد من ذكرها فلتبسط لهم العبارات ولتكن الأمثلة أمثلة واقعية، وإلاّ من الذي سيضع على جسمه ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، ومن الذي سيتوضأ بماء خلط بحبر كثير حتى صار حبراً، أو ماء وضع فيه ورق الشاي حتى صار شاياً، وكذا.. ما الخوف من اظهار ملامح صورة الوجه التي طمست في كل الصور التوضيحية، كما ورد في الكتاب المقرر على الصف الرابع الابتدائي طبعة 1431-1432ه . ** ** ** ** ومن أطرف تأثر الصغار بما يفهمونه خطأ حين ذكر في أحد الكتب المقررة على الصغار فيما مضى ان لمس المرأة بشهوة مبطل للوضوء، وكان أب بعد ان توضأ وقبل أداء الصلاة أمسك بكتف أمه محيياً - فجاءته ابنته الصغيرة قائلة له: إن وضوءك يا أبي قد بطل - لأنك لمست (المرأة) أمك - وهذا من نواقض الوضوء. ** ** ** ** إن المسؤول الأول في وزارة التربية والتعليم ومن هم بعده في الرتبة ليسوا هم الذين يتحملون وزر ما يرد في الكتب والمناهج من خلل علمي، أو فني أو منهجي.. لكن المسؤولين عن ذلك هم الذين أسندت إليهم مسؤوليات إدارات المناهج والتأليف هؤلاء مؤتمنون وعليهم مخافة الله فيما أؤتمنوا عليه.. ويفاجأ المسؤول الأول ومن معه من كبار المسؤولين في معظم الأحوال بأن هؤلاء الذين أسندت إليهم مهام المناهج والتأليف قد أتوا بغير ما هو محدد لهم ومطلوب منهم، ولا حيلة في ذلك بعد ان طبعت الكتب ووزعت، وليس مطلوباً من الوزير ووكلائه ان يقرأوا كل كتاب مقرر ليتأكدوا من صحة ودقة ما ورد فيه. ** ** ** ** والرأي عندي هو ضرورة ترسيخ أصول التربية الإسلامية، وذلك بالتركيز على القيم العظيمة وعدم الاسترسال في ذكر القضايا الفقهية حول الشعائر الدينية التي شغل بها بعض الناس في وقت مضى كانت تتصف حقبته بالجمود والتنطع والافتراضات البعيدة غير الواقعية. ** ** ** ** إنه من الواجب ان يكون محور تعليمنا مشتقاً من هدفنا التربوي وهو ما يفيد منه المتعلم ويطبقه في حياته، لأنه لا فائدة من علم لا ينفع صاحبه. إن بيننا من المعلمين الذين ينظرون إلى ما قاله أحد السابقين على أنه وحي مقدس لا يجوز الخروج عنه، أو حتى التصرف في نص ألفاظه.. هؤلاء جامدون مخطئون. وكذا الحال عند الذين يختارون من أقوال الفقهاء السابقين أكثرها غلواً، ويصرون على أنها الأصح والأكمل، وان من خالفها هو مخالف للشرع الحنيف أو الذين يقحمون تفرعات فقهية في العبادات لا حاجة لصغارنا إليها.. بل هم لا يعرفون مدلولها أو معناها. والعجيب أنه حين يعترض معترض على ذلك فإنهم يغضبون، ويصفونه بأنه محارب لتثقيف الصغار وتعليمهم أصول دينهم، حتى ولو كان مسؤولاً بينهم. لقد أثاروا الرأي العام ضدي حين كان لي موقف تجاه محتويات لا يرضى عنها أحد في مقررات التربية الإسلامية لعدم تناسبها لهذه الأعمار - بل لكل الأعمار - من أمثلة ما ذكرته سابقاً. ** ** ** ** من الثابت أنه لن يسع الناس ان يتفقوا على رأي واحد في الأمور كلها. لكن الذي يجب ان يسعنا جميعاً في الاتفاق عليه - خصوصاً في هذه المرحلة التي تعيشها بلادنا والعالم - هو التمسك بأهداف الفضيلة، واستيعاب القيم الإسلامية الرفيعة، والتعامل في الحياة طبقاً لقواعد هذه القيم، وكذا حب هذا الوطن، واظهار مشاعر الوطنية أقوالاً صادقة، وأعمالاً نافعة، وبذلاً مخلصاً مستمراً، وعدم الاستغراق في ذكر افتراضات فقهية في العبادات لا تقع أصلاً. ** ** ** ** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.