طبقا للتعداد السكاني الذي أعلن أغسطس هذا العام، فان النمو السكاني بالمملكة (وليس عدد السكان) قد انخفض من 2.5% إلى 2.2%، وكان قبل ذلك معدل النمو السكاني عام 1993م يصل إلى نسبة 3.4%، هذه الأرقام موثقة من قبل مصلحة الإحصاءات العامة ولم آتِ بها من أي مصادر أخرى وهي المعتمدة لدينا، هذا الانخفاض في النمو السكاني يجب أن نتوقف عنده كثيرا ويطرح أسئلة كثيرة، فهل هذا الانخفاض يأتي بسبب حملة توعية للمواطنين السعوديين «بضبط» النسل وتحديده؟ الواقع يقول ان ذلك لم يحدث نهائيا ان تمت أي عملية توعية أو توجه «لضبط» النمو السكاني الذي كان يعتبر من أعلى المعدلات بالعالم، لكن الواقع يقول ان هناك متغيرات اجتماعية واقتصادية هي ما أدت في النهاية لانخفاض النمو لعدد السكان، فقد أصبح مستوى الوعي أكبر لدى السكان من حيث أن عدد الأبناء والبنات ليس بالكثرة بقدر النوعية وأهمية التربية ليخرج للمجتمع وقد حصل على كل ما يستحق من تربية وتعليم لكي يصبح عنصرا فعالا وإيجابيا في المجتمع، انتهت مرحلة أن الكثرة هي إيجابية وأن «رزقهم على الله» بدون أن يكون هناك وعي كامل بالقدرة على الوفاء بحقوقهم ليس بمسألة أكل ومشرب ونوم ويعيش يومه، فالحياة الأن أصبحت أكثر تحديات ومصاعب، إذاً أصبح هناك متغير أساسي ويفرض واقعه وهو أن العدد للأبناء يجب أن يقنن وأخذ أهمية قصوى للتربية والوفاء بحقوقهم كاملة والعناية بهم، أصبحت الآن ظروف الحصول على عمل محكا أساسيا لتوفر الدخل الذي يؤهله «لفتح» بيت وزواج وتكوين أسرة أصبحت هذه تواجه مصاعب ملموسة مما يحد من الزواج للظروف المالية وتبعات تكلفة المعيشة التي تتزايد يوما بعد يوم مما يصعب القدرة على الزواج وأيضا كثرة الأبناء، فأصبح الحصول على عمل «رخصة» الزواج وليس أيضا كل عمل بل بما يفي الحد الأدنى من الحياة، ارتفاع نسبة الطلاق لسبب «الفجوة» في القدرة على الخيار أو اختيار كل ما يناسب أو يقارب سواء للمرأة أو الرجل، أصبحت أيضا المرأة لها القدرة على الخيار وأصبحت تقف بوجه الرجل ولا ترضى باستمرار حياة غير سوية كما يحدث سابقا من سطوة وسيطرة الرجل فأصبح للمرأة خيار، ارتفاع وتأخر سن الزواج فكانت الأسر تسارع لربط الابن أو البنت للزواج وكأنه هو المصير الحتمي لحياة سعيدة وايضا «الخلاص» من «أزمة» البنت غالبا والابن لكي يستقل بحياته فأصبح هناك الخوف من المستقبل، أصبح الآن هناك استقلالية في الحياة فليس كما يحدث سابقا كل يعيش ويسكن بنفس بيت الأسرة الكبير هذه أصبحت من الماضي. لكن في تقديري ان الحد أو انخفاض النمو السكاني «الإجباري» هو عامل إيجابي فليست الأمم تنمو وتتحسن ظروفها المعيشية والاقتصادية بكثرة السكان، ولكن الغريب لدينا زاد نمو استقدام العمالة بنسب كبيرة جدا وصل عددهم الآن 9 ملايين، انخفاض السكان يعني وعياً أكبر ولكن هناك مشكلة «ندرة وظيفة» وضعف دخل وأيضا التنمية ليست مستدامة بتوازن بين مدن المملكة فهي تتركز بالمدن الكبرى دون القرى والهجر، انخفاض النمو السكاني سيزيد بهذا النمط من حياتنا ويعكس ظروفا أصعب يواجهها أبناء الوطن بعدم القدرة على العيش إلا لمن يستطيع، فهل الجميع يستطيع؟ بالطبع لا، ولكن هناك خلل واضح بمستوى المعيشة وظروفها، فكيف نستفيد من هذه الاحصاءات ان لم نحل مشاكل أبنائها؟