احتفلت النساء الأمريكيات في أغسطس الماضي بمرور تسعين عاما على منحهن حق الاقتراع. رحلة طويلة من الحراك النسائي خاضتها المرأة الأمريكية، أسرد عليكم الجزء الأخير من قصة النضال الطويلة هذه والتي بلغت أشدها خلال الحرب العالمية الأولى عندما تقلدت النساء وظائف الرجال الراحلين للحرب في المصانع وقاموا بجهد فعال لدعم الحرب أكثر من الحروب السابقة التي خاضتها أمريكا. فخلال الحرب وبعد انتهائها لم تفتر حماسة الناشطات الأمريكيات بالضغط على الحكومة آنذاك لمنحهم حق الاقتراع فنظمن المظاهرات أمام البيت الأبيض وفي مختلف الولايات وأقمن المؤتمرات الصحفية وسجنت الكثيرات وقامت قائدة إحدى الحملات الناشطة أليس بول،التي وصفتها الناشطات الأخريات بالراديكالية المتمردة، بإعلانها الإضراب عن الطعام من السجن ليتم إطعامها البيض النيئ عنوة عبر أنبوب من قبل سجانيها. كل هذا الإصرار والتغطية الصحفية المكثفة لعزم النساء وقتها شكلت قوة ضغط على الرئيس الأمريكي حينها وودرو ويلسون الذي أعلن تضامنه معهن في خطابه الشهير الثامن عشرة من سبتمبر 1918 قائلا «لقد جعلنا من النساء شريكات في الحرب. هل نشاركهن فقط التضحية والمعاناة ونمنعهن المشاركة في حقهن؟» في أقل من سنة بغالبية 304 أصوات مقابل 90 صوتا صدق مجلس الشيوخ الأمريكي على اقتراح إضافة المادة التاسعة عشرة للدستور الأمريكي والتي تنص على الآتي: «لمواطني الولاياتالمتحدةالأمريكية الحق في الاقتراع والذي لا يحق للحكومة أو الولايات منعه أو اجتزاءه بناء على جنس المقترع. ويكون للكونجرس بناء علي صلاحياته القانونية أن يفعل هذه المادة.» وفي الشهر التالي صوت مجلس النواب مؤيدا المادة الجديدة بغالبية 56 صوتا مقابل 25 ثم قاموا بإرساله إلى كافة الولايات للتصويت عليه. كانت ولاية اللينوي وميشيغان وويسكونسون أول الولايات التي تقر المادة الجديدة في حين سارعت ولايتا جورجيا وألاباما الجنوبيتان في رفضه. وفي مقابل قبول وتعاطف غالبية الساسة الأمريكيين لحق النساء في الاقتراع بالتوازي مع الحملات النسائية المطالبة كان صوت المعارضين عاليا أيضا ومنظما لحد كبير وشاركت النساء الرجال فيه لإعلان رفضهن لمطالب قريناتهن. للتصديق على مادة الاقتراع الجديدة في الدستور وجب تأييد 36 ولاية لذلك عندما وصل العدد إلى 35 ولاية حج المعارضون والمؤيدون من مختلف الولايات إلى ولاية تنيسي وعاصمتها ناشفيل لحشد القوى، فتنيسي ستحسم المعركة بالتصديق أو الرفض. كان السجال حامي الوطيس والكفتان شبه متعادلتين لكن أحد المشرعين في الولاية البالغ من العمر 24 عاما ويدعى هاري بيرن والذي سبق له أن صوت لصالح الحركة المضادة لحملة اقتراع النساء سيدخل التاريخ الأمريكي عندما استجاب لرغبة والدته التي ألحت عليه وطلبت منه دعم حق الاقتراع للمرأة. فعندما وجد أن الاقتراع بات قريبا وأنه لو صوت بالرفض كانت النتيجة ستكون 48 صوتا مقابل 48 أيضا قرر أن يصوت كما طلبت منه أمه لصالح حق المرأة في الاقتراع وبذلك في الثامن عشر من أغسطس العام 1920 أصبحت تنيسي الولاية السادسة والثلاثون التي أقرت المادة التاسعة عشرة في الدستور الأمريكي على الرغم من محاولة المعارضين للمناورة البرلمانية لتأخير تصديق الولاية قانونيا على المادة الجديدة في محاولة لاستمالة رأي بعض المؤيدين المشرعين لصفهم لكن محاولاتهم باءت بالفشل وأرسل حاكم الولاية البلاغ القانوني اللازم إلى واشنطن لإعلامهم بتصديق تنيسي للمادة التاسعة عشرة. وعليه في السادس والعشرين من أغسطس 1920 أصبحت المادة التاسعة عشرة من الدستور الأمريكي قانونا نافذا واستطاعت النساء الاقتراع في خريف العام نفسه وأيضا في الانتخابات الرئاسية. كيف تستفيد الكاشيرات السعوديات وبقية النساء اللواتي يطمحن في حرية العمل وهن يواجهن اعتراض وامتعاض البعض من بحثهن عن لقمة العيش الشريفة من تجربة المرأة الأمريكية قبل تسعين عاما؟ الكثير والكثير. أولها أن طريق الحصول على الحقوق ليس مفروشا بالزهور وأن من تطالب بحقها لا تتوقع أن يقدم لها على طبق من فضة وأن يتم في يوم وليلة، ما نزرعه الآن ستحصدها حفيدات حفيداتنا يوما ما بلاشك. نتعلم أيضا أن المثقفة المناضلة أليس بول دكتورة القانون وغيرها الكثيرات من المتعلمات مثلها لم يقبعن في حلقتهن الصغيرة البرجوازية الضيقة واكتفين بالحديث مع أنفسهن بل خرجن إلى الشوراع ووقفن جنبا إلى جنب مع عاملات المصانع بل وسجن قبلهن. درس مهم آخر نستشفه هو أن معركة الحقوق النسائية الأمريكية ساهم الرجل فيها بشكل كبير مساندا وسياسيا ومشرعا لذلك وجب إشراك الرجل السعودي في العمل النسائي وتوخي السبل الصحيحة لاستمالته وفتح قناة حوار مع المعارضين الذكور. والأهم من كل ذلك كما أعتقد هو قوة القانون الذي تتكئ عليه الدول القوية المستقرة المزدهرة الاقتصاد فعلى الرغم من تقارب أعداد المؤيدين والمعارضين حينها إلا أن صوتا واحدا كان كفيلا بحسم الموضوع ليحترم المخالفون قرار الأغلبية. البداية التي تستطيع كل امرأة سعودية تطبيقها هي المطالبة بتطبيق الاتفاقية الدولية «القضاء على التمييز ضد المرأة» المعروفة بالسيداو والتي أقرتها المملكة في 12 ديسمبر 2000م وعليه كما أكدت هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في حال تعارض بند من بنود الاتفاقية مع إجراء أو نص محلي يخالفها يحق للقاضي السعودي الاستناد مباشرة إلى مادة الاتفاقية لإلغاء وإبطال كل ما يتعارض معها. كتبت مرات عديدة عن السيداو وحاولت شرح أهميتها البالغة وكم تمنيت ولا أزال أن ترسل لي إحدى القارئات مستفسرة عنها. أخواتي الحل بين أيديكم حقكم في العمل الشريف وحرية الاختيار لابد أن يشرع ويصان كي لاتمتهنه جهة العمل قبل المعارضين، وكل عام و نحن حرائر كما ولدتنا أمهاتنا.