بين سلمان العودة وبين فكرة التغيير التي يطرحها يوميا كإفطار لما قبل الإفطار، مثلما بين الاسم والمصطلح. هو (العودة) بينما يطرح (التغيير). ولم أكن لأكتب لولا أن فضيلته قال قبل البارحة إنه سيطرح حتى (تغيير الخطاب الديني) للنقاش ضمن هذه السلسلة الرمضانية وهنا سأقف على مسطرة الزمن: من هو الذي كان يجرؤ قبل أقل من عقد من الزمن على شبك هذه الكلمات الثلاث ما بين القوسين السابقين في جملة واحدة؟ حتى صاحب الفضيلة الشيخ ابتدأ مشواره الدعوي الصحوي يطرح فكرة (العودة) ويصارع ضد تسارع الزمن ويحارب حداثة الخطوة التالية ويرفض الطبع الإنساني في التجديد. حتى القرآن الكريم فيه ناسخ ومنسوخ، وفيه (المدني) الذي يراه المفسرون يؤصل لقضايا مجتمعية لم تكن في الذكر (المكي) وكل بشائر هذا الدين العظيم تدعونا إلى التكيف مع واقعنا المعاش باستنباط شواهد الأصالة. كل الحياة تمضي إلى الأمام وبالطبع لولا همة الخطوة الأولى بالأمس لما وصلنا إلى النقطة المؤملة في الغد. وبكل اختصار فإن سلمان العودة لم يصل إلى هذه المساحة المذهلة من الانتشار والقبول فيما بين زمن (العودة) ورؤية (التغيير) إلا لأنه يقرأ، ثم يهضم بعد أن يقرأ، مدعوما بآلة جبارة للتحليل والاستقصاء. أنا لا أشفق على أحد قدر شفقي على أولئك الكثر الذين ما زالوا بعد هذه السنين في مربعه القديم الأول وفي خنادق التمترس إلى زمن (العودة). هؤلاء من حيث لا يعلمون إنما يتسمرون في أماكنهم عكس نظرة الحياة، وعكس قابلية هذا الدين العظيم لأن يكون غطاء لكل المجتمعات والأزمنة. أكثر من هذا، هؤلاء لا يعلمون أن الحياة – واقفا – في نهر الحياة الجاري لن تبقى من حولهم ما ظنوه من الأشياع والأتباع ولهم أن يقفوا من مسطرة الزمن ما كان من مسطرة العودة: هل الذين يستمعون إليه اليوم في رؤية (التغيير) أقل عددا أم أكثر منهم أيام رحلة الإصرار على (العودة). هؤلاء لا يدركون الرهان المختلف على الجيل الجديد الذي لن تصل إليه بخطاب لا يبصرون من خلاله (الغد) وأي خطاب يلغي المستقبل حتما سيضعه هذا الجيل في المتحف. هذا الدين لم ينتشر إلا بالتجديد لأنه يحمل في دفته ميزان التوازن ما بين الأصالة والمعاصرة.