محمد بن علي الهرفي *نقلا عن "عكاظ" السعودية المتابع للقنوات (الإسلامية) يعرف أن هناك أكثر من مفتٍ في كل قناة، كما أن موضة المفتين الفضائيين طالت القنوات (غير الإسلامية)، مما يرجح أن زبائن المفتين كثر، ولعل حرص تلك القنوات على نشر الفقه الإسلامي هو الذي جعلها توظف هذا الكم الكبير من المفتين! وتعطيهم تلك المساحات الكبيرة! لكن الحرص على الإفتاء لم يتوقف عند الفضائيات، فهناك المئات يتطوعون لهذا العمل من خلال هواتفهم (الأرضية) و(السماوية) وربما غيرها من رسائل الاتصال، هذا فضلا عن دار الإفتاء وعلمائها الفضلاء. مفسرو الأحلام يمثلون نمطا خاصا من المفتين، وهؤلاء -أيضا- لهم حضور في القنوات الفضائية والصحف والمجلات، ولهم جمهورهم الذي «يحلم» بتحقيق السعادة من خلال اجتهاداتهم العلمية!! اللافت للنظر أن الغالبية العظمى من زبائن أولئك المفتين -على اختلاف تخصصاتهم- من النساء؛ لاحظت هذه الظاهرة من خلال متابعة بعض حلقات الإفتاء في أكثر من قناة، كما سألت مجموعة من المفتين من غير زبائن الفضائيات، وسألت كذلك عددا من العاملين في برامج التنمية الأسرية، فكانت الإجابة بالإجماع: أن الغالبية العظمى من المتصلين بهم من النساء!! قال لي بعضهم: إنه يضطر لإقفال هاتفه وقت النوم؛ لأنه لو لم يفعل فلن يتوقف هاتفه عن الرنين طيلة الليل!! هذه الظاهرة استدعت سؤالا يتطلب دراسة عميقة -هكذا أعتقد- لمعرفة أسباب كل تلك الاتصالات النسائية، وأين الخلل، ولماذا؟! كما استدعت سؤلا آخر لا بد منه: أين نساء مجتمعنا اللواتي يتحدثن عن قضايا جانبية تتعلق بالمرأة، ويتركن ما هو أهم منها بكثير؟! سأكتفي بإيراد شواهد قليلة مما أسمعه، ومن أراد المزيد فليستمع إلى بعض الحلقات الإفتائية، وليسأل بعض المفتين المتطوعين إن أراد أن يتعرف -حقيقة- إلى الإشكالات التي تعانيها المرأة في بلادنا. تسأل إحداهن: زوجي يعاشر أخريات علنا ومع هذا يضربني ويسيء إلي.. ماذا أفعل؟.. لو كنت المفتي لقلت لها: اصفعيه ولا يرى وجهك بعدها أبدا، ثم -وهو الأهم- هل هذه الحالة تحتاج إلى مفتٍ؟! وأهم من الأهم أن بعض المفتين -وأكرر بعض- يستحلي هذه اللعبة ويبدأ بطرح أسئلة سخيفة والمرأة تجيب، ويبدو لي أنها لو كانت أمامه أو لو أنه ليس على الهواء لأعطاها هاتفه وتوسل إليها -مع أن التوسل بغير الله شرك- أن تواصل الاتصال به ليحل لها كل مشاكلها!! أخرى تسأل فضيلته: زوجي يحشش ويحاول الاعتداء على بناته، فماذا أفعل؟! وثالثة: كنت أهاتف شابا لكنه خدعني وأقنعني أنه سيتزوجني، لكنه فعلها وهرب، فماذا أفعل يا شيخ!! ورابعة: تحب صديقتها أو مدرستها وقد جفا النوم عينيها، وتطلب من المفتي أن يجد لها حلا يريحها ويعيد النوم لعينيها!! أسئلة من هذا النوع -وما أكثرها- تنبئك عن ضياع كبير ما كان يجب أن يكون في نسائنا مهما كانت درجة ثقافتهن فضلا عن المثقفات منهن. وأجوبة من ذلك النوع تنبئك أن عددا من أدعياء الإفتاء ما كان يجب أن يمارس هذا الدور الكبير وهو بتلك الأخلاق المشينة أحيانا والثقافة الضحلة أحيانا أخرى. أعرف أن هناك أنواعا أخرى من الأسئلة تتعلق بالصلاة والصوم والحج وغيرها، ولكن معظم الأسئلة المتعلقة بتلك العبادات يجب أن تكون معروفة لأنها درست في مدارسنا ومن السهولة بمكان الرجوع إلى بعض المصادر لمعرفة الإجابات إن كانت المسألة تستحق ذلك. فلماذا الإلحاح عليها مرات ومرات؟! قلت: إن هذه الظاهرة بحاجة إلى دراسة عميقة لمعرفة أسبابها وطرق التعاطي معها، لكن معظم الكاتبات السعوديات -وهن مسؤولات أكثر من غيرهن- مشغولات بقضايا هامشية لا تتناسب مع حجم المشاكل التي تعاني منها المرأة السعودية؛ قياسا على الأسئلة التي يحرصن على توجيهها لأولئك المفتين. مقالات ومعارك حول الحجاب والنقاب، ومثلها حول قيادة المرأة للسيارة، وهل هي حلال أم حرام، أما رياضة الفتيات في المدارس وسواها فهي من أهم القضايا عند المدافعات عن حقوق المرأة ثم تلاها الاختلاط وشروطه وأحكامه.. أيهما أكثر أهمية للمرأة: أن يعمل الجميع على التقليل من مشاكلها الجسيمة التي تتحدث عنها في الفضائيات وغيرها أم الحديث عن النقاب وخلافه؟! وكيف تستطيع المرأة أن تمارس الرياضة -وهي مهمة- في الوقت الذي تمتلئ حياتها بالهموم والإحباطات الكثيرة؟! أتمنى لو أن اللواتي لا يتوقفن عن إثارة تلك القضايا الصغيرة والتباكي على (المجتمع ألذكوري) أن يستمعن إلى تلك القنوات، وأن يسألن عمن يتردد على المشعوذين والمشعوذات، ومن يتصل بمفسري الأحلام، وكذلك كل من يدعي العلم -مهما كانت درجة جهله- ليدركن حجم المشكلة لعلهن يحاولن جادات أن يساعدن على التقليل منها.. أتمنى لو أن مدارسنا وجامعاتنا تلتفت بجد إلى تلك القضايا لتطرح حلولا عملية تساعد على التقليل منها. وأتمنى من دار الإفتاء أن يكون لها دور واضح في التقليل من دعاة الإفتاء -الذين لا ينتسبون لها- الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون. وإنني أتوقع لو أن المجتمع وكذلك مراكز العلم المتنوعة لو لم يبادروا إلى تحجيم هذه الظاهرة لاحتجنا إلى مفتٍ لكل مواطنة!!