ما أثر كثرة برامج الإفتاء وتسابق القنوات الفضائية في عرضها؟ وكيف هي سلوكيات الصائم في نهار رمضان؟ وما هي أنواع الرؤى وكيف يتعامل معها المسلم؟ وهل أصبحت الرقية الشرعية مهنة من لا مهنة له؟ هذه الأسئلة وغيرها حاورنا بها ضيفنا الشيخ الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل، وإليكم تفاصيله... *حدثنا عن سيرتك الذاتية؟ أخوكم علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل متخرج في كلية أصول الدين بالرياض قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, عام 1411ه. وحاصل على الدبلوم العالي في العقيدة في عام 1412ه ودرجة الماجستير في عام1418ه، والدكتوراة عام 1424ه، كلاهما بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى. أعمل أستاذًا في العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام، وخطيب أحد جوامع الرياض, ومدرس في حلقها ومحاضر في جوامعها, ومشارك في وسائل الإعلام: المرئية والمسموعة والمقروءة. تلقيت العلم طلبًا ودارسة على يد كوكبة من كبار العلماء منهم أصحاب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز, والشيخ محمد بن عثيمين, والشيخ عبدالله بن عقيل, والشيخ صالح الفوزان, والشيخ عبدالعزيز آل الشيخ, والشيخ عبدالرحمن البراك, والشيخ عبدالله بن غديان, والشيخ عبدالعزيز الشبل, وغيرهم من المشايخ الفضلاء. *كيف أثر والدكم رحمه الله في حياتكم العلمية والتعليمية خاصة أنه كان مدرسا في المسجد النبوي؟ نشأ الوالد رحمه الله في بيئة علمية في بيت جده لأمه الشيخ عبدالله بن مانع قاضي عنيزة فتتلمذ على العلماء في عنيزة وبريدة والرياض حتى صار من أهل العلم فعمل مدرسًا في الجامعة الإسلامية ثم في المسجد النبوي، وقد كان له أثر كبير على من خلال حب العلم والتعلق به فغرس رحمه الله هذا الأمر فينا وشجعنا لسلوك طلب العلم وملازمة المشايخ الثقات والأخذ منهم؛ فدرست عليه عددًا كبيرًا من ضروب العلم في القرآن والحديث والتوحيد والفرائض والفقه، وكنت ملازمًا له في البيت وفي المسجد النبوي لأنهل من علمه، فحثني على إكمال الدراسة في كلية الشريعة بالرياض، كما حثني على ملازمة الشيخين الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله والشيخ صالح الفوزان حفظه الله. فكنت إذا عدت إلى المدينة ألازمه وإذا رجعنا إلى عنيزة لازمنا أنا وإياه دروس الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الجامع الكبير وفي جامع الضليعة، ولذلك بقي أثر والدي في حياتي كلها. * تكثر برامج الإفتاء في شهر رمضان بشكل لافت بل تتسابق القنوات على المفتين، ما تقييمك لواقع هذه البرامج خاصة أنك كنت أحد المشاركين فيها؟ لهذا الأمر ثلاثة محاور: فالمحور الأول: حرص الناس على الأسئلة والاستفتاء وهذا يدل على رغبة الناس في الخير وحرصهم عليه وعلى أن يسألوا العلماء. والمحور الثاني: هو جانب الانفتاح العالمي عبر وسائل الاتصال والإعلام المختلفة بحيث أصبح باعثًا على تكاثر برامج الإفتاء وتنوع المفتين، ولهذا الجانب إيجابيات منها سد حاجة الناس في الفتوى في أمور دينهم امتثالًا لقوله تعالى (فسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون)، وكذلك ارتباط الناس بأهل العلم والأخذ عن العلماء الموثوقين، ومزاحمة أهل البدع والأهواء والتضييق عليهم وسد الباب عليهم. وكذلك توجد في هذا الجانب بعض السلبيات ومنها دخول الإفتاء من هم ليسوا من أهله، ومن ليس معروفًا بتلقيه العلم الشرعي من أهله الموثوقين، وهذا يوقع نفسه وغيره من المستفتين له في الحرج لأنه يفتي على مقدار علمه الضيق وأفقه الضيق وبالتالي ينزل المسائل على غير معناها، وليس لديه النظرة الثاقبة في البرامج المباشرة التي تطرح فيها الأسئلة التي تأتي أحيانًا لغرض معين أو لوجهة معينة فتوظف فتواه في غير محلها، ومدار هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن كيس فطن) فلا بد أن يعرف المفتي ماذا يراد من السؤال؟ وما المأرب منه؟ وهل قصد السائل الاستفتاء أو له قصد آخر؟ ولذلك أصبحوا فريسة سهلة لمتصيدي الزلات على المفتين، وبذلك وقعوا في الحرج وأساءوا إلى علم الفتوى بفتاويهم الغريبة والشاذة التي تنم عن جهلهم وضعفهم في العلم الشرعي. أما المحور الثالث فهو كثرة برامج الإفتاء في رمضان لأن رمضان موسم عبادة وموسم طاعة فالكل يريد أن يغنم بالأجر دون نقص أوخلل. * تظهر في رمضان بعض السلوكيات الخاطئة من قبل الصائمين مثل النوم نهار رمضان والسهر ليله وغيرها من السلوكيات فما نصيحتكم لمن وقع فيها؟ هذه الظواهر تزداد خاصة عندما يأتي رمضان في فصل الصيف؛ ففي هذا الفصل يطول فيه النهار ويزداد فيه الحر ويقصر فيه الليل، كما يوافق هذا الشهر إجازة الطلاب الصيفية؛ فكثير من الشباب يقطع ليله بالسهر ونهاره بالنوم فلذلك يضيع الصلوات مع الجماعة، والصلاة أعظم في فرضيتها من الصيام وكلاهما من أركان الإسلام، وكذلك أكثر الشباب يمضي وقته في السهر على ما يضر ولا ينفع وربما أمضاه على معصية الله إما في نظر إلى محرم أو في استماع محرم أو ممارسته لأعمال محرمة ونهار رمضان يقضيه في النوم فبالتالي يفوت عليه الزمان الفاضل في ليله ونهاره. ومن اللائق بالمسلم أن ينتبه عند إدراكه الزمان الفاضل في رمضان ألا يضيعه فلربما لا يدركه مرة أخرى، وليعتبر بإخوانه الذين ما أمكنهم الله من بلوغ رمضان، وعلى المسلم أن يحذر من شياطين الإنس ومنهم أصحاب وملاك القنوات السيئة التي تحشد من رمضان الماضي قواها لاستجلاب المشاهدين وصرفهم عن العبادة وعن طاعة الله فأكثر ما يعرضون يكون مخلًا بالديانة ومخلًا بالمروءة والأخلاق، فلينتبه المسلم لهذا الأمر الخطير. *تظهر في رمضان ظاهرة ازدحام الشباب عند مساجد قراء معينين بينما بعض المساجد لا يصلي بها إلا عدد قليل فما نصيحتك لهم؟ فعلا هذه الظاهرة موجودة فهم يذهبون إلى هذه المساجد لأن أئمتها يمتلكون أصواتا شجية أو ندية أو تراتيل أو عندهم صيغ معينة في القنوت تستجلب المصلين وراءهم خاصة الشباب الصغار فربما يتداعون إلى هذا المسجد أو ذلك الجامع لأن إمامه يقنت طويلًا ويدعو على فلان، وهذا في الحقيقة ليس مقصودًا في ذاته وإنما المقصود أن يصلي الإنسان خلف من يثق في صلاته ويطمئن إلى قراءته فيخشع بها. أما الظاهرة التي نجدها وهي التنقل من مسجد إلى مسجد والممايزة بين الأئمة من هذا الاعتبار أمر خاطئ وهذا من الفعل غير اللائق والنبي صلى الله عليه وسلم قال (ليصلين أحدكم في المسجد الذي يليه ولا يتخطاه إلى غيره)، والسبب في ذلك حتى لا تهجر المساجد وألا يكون الهم فقط أن يستمع إلى قراءة هذا أو قنوت هذا ومن لم يرتح لقراءة إمام مسجده فلينتقل لمسجد آخر ويلازمه حتى ينتهي الشهر. *أصبح مفسرو الأحلام ينافسون المفتين على الظهور في القنوات الفضائية هل أصبح تفسير الرؤى تجارة رائجة ورابحة؟ أصبح تفسير الأحلام بهذا الشكل ظاهرة مقلقة فدخل من خلالها من يرجمون بالغيب ويتكهنون بمستقبل الناس وفي أحوالهم الغيبية والمستقبلية، فأفسد الطالح على الموثوق الصالح، وتعلقت بها قلوب ضعاف الإيمان وضعاف العلم وضعاف العقول سواء من الشباب أو من النساء. ودخل في هذا التوسع في برامج تعبير الرؤى سواء عبر الفضائيات أو عبر الرسائل أو عبر الهواتف مسبوقة الدفع أصحاب الجشع والطمع وتكلم في هذا من لا يحسن الكلام فيه وحصل فيها ما تكلم العلماء في بدعيته وإحداثه من أمر الجلوس لتعبير والتفرغ له. وللرؤى ثلاثة أنواع وهي إذا كانت صالحة فهي مبشرة من الله كما قال صلى الله عليه وسلم (الرؤيا الصالحة من الله) فالواجب على المسلم ألا يخبر بها إلا محبًا ناصحًا، والنوع الثاني أضغاث الأحلام وهي التي بمجرد الاستيقاظ يتم النسيان، والنوع الثالث الأحلام المزعجة وهو من الشيطان فأخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بعلاجه في ستة أشياء جلها لا يعمل به السائلون ولا المعبرون له؛ فالأمر الأول عند استيقاظه من الحلم المزعج أن يتفل عن يساره ثلاثًا، الأمر الثاني أن يستعيذ بالله من الشيطان ثلاثًا، الأمر الثالث يستعيذ من شر ما رأى ثلاثًا، الأمر الرابع ينقلب على الجانب الذي يغاير الجانب الذي استيقظ عليه، الأمر الخامس إذا تكرر الحلم أن يتوضأ ويصلي ركعتين، الأمر السادس قال عليه الصلاة والسلام (ولا يحدثن بذلك أحدًا فإنها لا تضره). أما أكثر ما يسأل عنه الناس هي الأحلام. *هل أصبحت الرقية مهنة من لا مهنة له؟ كيف يمكن ضبطها؟ الرقية الشرعية كان يتعاطاها الصالحون ولكن بعد أن ضعف الدين وضعف العقل وكثرت مطامع الدنيا دخل من ليس من أهلها فيها من أصحاب المعتقدات الباطلة كالسحرة والكهنة ومدعي علم الغيب والمشعوذين فدخلوا عالم الرقية من أوسع أبوابه بزعم أنهم يرقون الناس، وبزعم أنهم يتعاطون أسباب شفائهم فيأكلون أموالهم بالباطل، وقبل ذلك يفسدون عليهم دينهم وعقائدهم، وهذا الأمر لا بد من الانتباه له، وكذلك لا بد من التعلق بالله قبل كل شيء لا التعلق بالراقي. فالرقية الشرعية لا تضبط إلا بالعلم الشرعي الراسخ وبالعقيدة الإسلامية المتينة وبرقابة أصحاب الاختصاص لأنها مزلق خطر للانحراف العقدي والعقلي والمالي، بالإضافة إلى الحذر من الوقوع في البدع والشهوة ومراقبة الرقاة لأنفسهم أو من قبل الجهات الرقابية عليهم. ما صفات الداعية الجيد التي تجعله أكثر تأثيرًا في الآخرين؟ لابد للداعية من صفات تجعله يؤثر في الآخرين ومنها الإخلاص لله عز وجل في تعليمهم وفي دعوتهم للآخرين لأن هذا الإخلاص يصحح أعماله، وتظهر بركته عليهم وعلى دعوتهم، وكذلك العلم الراسخ المبني على أصوله الصحيحة المأخوذة من مصادر الشريعة القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع وما سار عليه السلف الصالح، بالإضافة إلى البذل والعمل من أجل الدعوة، وكذلك مراعاة الهدي النبوي في التعامل مع اللآخرين باللين في مواضعه، وبالشدة في مواضعها، وبعد النظر في أقواله وأفعاله فلا الغيرة بغير عقل تنفع بل تضر، ولا الاندفاع بغير رشد يصلح فلا بد من ملاحظة الحكمة.