محمد بن عيسى الكنعان - الجزيرة السعودية تُعد هولندا أول دولة أوروبية تحظر كل أشكال تغطية الوجه بما فيه النقاب في المدارس والمقار المدنية عام 2006م، كما صوّت البرلمان البلجيكي في شهر مايو الماضي من العام الجاري على مشروع قانون يحظر البرقع والنقاب في الأماكن العامة، وخلال شهر يوليو الحالي أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) بالأغلبية مشروع قانون يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة بدعوى امتهانه لكرامة المرأة وأنه رمزية للتخلف وربما يكون مفروضاً عليها من قبل طرف أو جهةٍ ما، رغم أن المرأة المعنية بهذا النقاب لم تعتبره امتهاناً ولم يجبرها أحد على ارتدائه، بل إن مجموع النساء اللاتي يرتدين النقاب يتراوح بين (300 إلى ألف) امرأة في بحر خمسة ملايين مسلم في فرنسا. الحال لم يقف عند هذا الحدّ فما زالت هناك أصوات في ألمانيا تطالب بحظر النقاب مع أن الحكومة الألمانية رفضت فكرة حظره، واليوم يتعاطى الواقع السياسي البريطاني مع هذه المسألة كصدى لما يدور في مجلس العموم حولها، وبهذا يبدو (النقاب) والحجاب عموماً علامة فارقة في الحياة السياسية الأوروبية في ظل وجود حكومات يمينية وأحزاب متطرفة. ما يعني أن قضية (النقاب) ليست إلا غطاءً قانونياً اتجهت إليه بعض الحكومات الغربية لمحاربة المظاهر الإسلامية حتى وإن رأى البعض أن النقاب عادة اجتماعية وليس حجاباً شرعياً، لأن تلك المظاهر في تجلياتها على الساحة الأوروبية تعكس قيماً إسلامية راقية راحت تؤثر في عمق الحياة الغربية، خاصةً في ظل الضياع الروحي الذي يعيشه الإنسان الغربي، بدلالة الاستفتاء الشعبي ل(حظر المآذن) في سويسرا خلال نوفمبر من العام المنصرم 2009م، وارتباط رمزية المئذنة بالإيمان، الذي يتركز بشكل كبير في الجاليات المسلمة وسط المجتمعات المسيحية التي تعاني قطيعة مع دور العبادة. هنا لن أعيد الجدل الذي دار وما زال حول النقاب في البلدان الأوروبية، سواءً من (الجانب السياسي) في أحقية أية حكومة ديمقراطية أن تصوت على أي مشروع قرار أو قانون في إطار دستور دولتها، أو من (الجانب الديني) بحكم الاختلاف القائم ليس بين مسلمي أوروبا إنما بين علماء المسلمين حول حقيقة النقاب وعلاقته بالحجاب: هل هو عبادة أم عادة؟ فضلاً عن أن ذلك الجدل العقيم امتد إلى بعض مثقفينا الذين يصفقون ببلاهة لأية خطوة غربية تكرس علمانية الدولة عن طريق الحياة الاجتماعية في خضم صراعهم الفكري مع التيار الديني أو المحافظ. لهذا أود فقط أن أشير إلى هشاشة هذه (الليبرالية) عندما ُتمتحن على أرض الواقع، وهي التي يتم تسويقها في أنماط وممارسات مجتمعنا مع محاولة زرعها في تربتنا الفكرية بحجة أنها تستوعب كل اختلافات الأديان والمذاهب والأحزاب، وتحقق كل الحريات الفردية والعامة، خصوصاً أن الليبرالية الغربية (أصيلة) وثمرة تجربة تاريخية قامت على مبادئ رئيسة تُقدّس (حرية الإنسان واستقلالية الفرد وحق الاختيار)، لذا يرى دعاتها أنها قدر الإنسانية، كما يؤكد فلاسفتها أنها الأنموذج الحضاري الأمثل للإنسانية! إذاً لماذا سقطت الليبرالية في امتحان حقيقة مبادئها بشأن (نقاب المرأة) الذي تتجسد فيه (حرية المرأة في معتقدها واستقلالية قرارها وحق اختيار حجابها) على اعتبار أن منطلق الجدل الغربي حول (النقاب) كان دينياً أو اجتماعياً وليس أمنياً. فلو كان مبرر صدور قوانين حظر النقاب (أمنياً) بالدرجة الأولى لكان بالإمكان قبول هذا المبرر وفق الاحتياطات الأمنية التي تتخذها الحكومات الغربية اليوم في ظل الهاجس الإرهابي، غير أن ذلك لم يكن وارداً إلا بشكل داعم لفكرة الحظر، الذي قام بالأساس على رفض النقاب من منطلق ديني وبعد فكري بحجة أنه صنوان التخلف وضد التحضر ورمز للرجعية، ما يعكس أن طابع الرفض (تنويري) لصالح قيم المشروع الحضاري الغربي، وأن معركة (النقاب) قد تكون بداية حقيقية لإصدار تشريعات وقوانين أخرى تعارض أو على الأقل تمس القيم والتعاليم الإسلامية الخاصة بالإنسان المسلم ذكراً كان أو أنثى في القارة الأوروبية الليبرالية.