في دول العالم الثالث والعالم العربي محشور في أدناه، تتحول الأجهزة الرسمية إلى ما يشبه القبائل بصورتها القديمة، تنصر أخاها ظالماً أو مظلوماً، لا كما بيّن الحديث النبوي الشريف في كيفية النصرة الواجبة، بل كما قال الشاعر: «ونجهل فوق جهل الجاهلينا»، لذلك لا يعول على تلك الأجهزة في قضايا تكون هي أو أحد موظفيها طرفاً فيها، وإذا كانت الأجهزة أمنية أو شبه أمنية فإن حال «التضامن» تصبح شرعاً مطهراً. هذه الحال عامة والاستثناءات نادرة، من الخليج إلى المحيط، يتأرجح الخط البياني من دون اختلاف كبير، وهو لا شك سبب جوهري في تخلفنا المستمر الذي لا يُرى ضوءٌ في نفقه المظلم. والقانون - إن وُجِد - يمكن أن يؤجَّل أو يُمَط، بل قد يصل درجة «الميوعة»، يمكن أيضاً إيجاد كثير من المخارج والذرائع في التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان كما يقولون. من هنا لا يُستغرَب تصريح وكيل وزارة الداخلية البحريني المساعد للشوؤن القانونية الذي حمَّل المواطن السعودي مسؤولية ما حصل له، فذكر أنه اعتدى على نفسه وكان في حال غير طبيعية وهياج، على رغم أن ما جاء به لا يتطابق مع مضامين بيان السفارة السعودية في المنامة، وزاد بيان الشؤون القانونية أن تقرير - السفارة - الطبي لم يتضمن تعرض المعتدى عليه لكسور، والرد ينتظر من السفارة. إشارة السفارة السعودية في المنامة إلى أن مندوبها وجد المواطن في السجن ملطخاً بدمائه ويعاني كسوراً أُغمِضَت العيون عنها، والمتوقع أن الشؤون القانونية - كما هي وظيفتها بحسب علمي - تلاحق مخالفي القانون في جهازها من دون انتظار توجيه أعلى، فماذا عملت خلال الشهرين الماضيين منذ وقع الاعتداء؟ لست بصدد الغوص في حادثة علمي بتفاصيلها لا يتعدى ما نُشِر مقتضباً في وسائل الإعلام وبعض الرسائل البريدية، وكل الأوراق في يد واحدة، أيضاً هناك حقيقة مهمة هي أن المواطن قد يحصل له في بلده ما حصل للسعودي في البحرين. لذا أركز على مسألة أكثر شمولية، لا يصح أن يكون الخصم هو الحكم، والجهات الأمنية في بلادنا العربية تستطيع - إذا أرادت - أن تفعل ما تشاء ويمكنها التستر عليه «معها الخيط والمخيط»، فهي من يباشر الحوادث حال وقوعها بطريقتها، ويصورها على الورق بحسب الذمة. نعم البشر غير معصومين لكن الأنظمة وتعدد الجهات المراقبة المستقلة، الاستقلال الفعلي، تؤدي إلى توخي أقصى درجات العدل الممكنة والابتعاد عن حالات الشللية والتضامن السلبي. وبالنسبة إلى المواطنين السعوديين الذين يشتكون من تعامل سلطات بلاد عربية أو غربية من السهل عليهم اتخاذ مواقف مع مطالبة سفارات لم تتغير بشكل ملموس على رغم أوامر عليا، إن المسألة تتلخص في ممارسة الاختيار، وإذا لم تكن قد تعرضت في سفرك لإطلاق نار أو سطو مسلح أو اعتداء وإهانة فهل تنتظر التجربة؟