لم أفاجأ بفتوى دار الافتاء المصرية عن والدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد لاحظت على مدى الأسابيع الماضية انهماك شباب الدعوة في السؤال عن مصير الوالدين الشريفين.. ماتا على الكفر أم الإيمان، وهل سيدخلان الجنة أم النار؟! دار الافتاء رفضت الفتاوى التي خرجت من هؤلاء ومن غيرهم من دعاة الحيض والنفاس وإرضاع الكبير بأن والدي الرسول مشركان وأنهما من أهل النار، وقالت إنهما ناجيان وفي الجنة، لأنهما من أهل الفترة، أي ماتا قبل البعثة، لأن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيا، لتأخر زمانهما، وبعده عن زمان آخر الأنبياء وهو سيدنا عيسى عليه السلام ولإطباق الجهل في عصرهما، ولم يعهد لهم التقلب في الأسفار، ولا عمَرا عمراً يمكن معه البحث عن أخبار الأنبياء، وهما ليس من ذرية عيسى عليه السلام ولا من قومه. من يريد المزيد عن الفتوى فليدخل إلى موقع دار الافتاء الذي نقلتها عنه بعض الصحف والمواقع أمس، وهي ليست قضيتي، وإنما ما أنا بصدده هو التنطع الذي عليه بعض شباب الدعوة وغيرهم من مجموعة تتصدى للفتاوى التي تخرج بنا عن هموم الأمة ومشكلاتها وقضاياها الملحة، مفتشة في مسائل لا تهم سوى من يستفتي بشأنها، وإثارتها على هذا النحو العلني في فضائيات دينية وبرامج التوك شو التي تستضيف شيوخا تتوفر فيهم مواصفات الإثارة التي تريدها تلك البرامج متنافسة فيما بينها على كعكة المعلنين وجذب المشاهدين. لقد أصبحت الفتوى المثيرة "لقمة عيش" عند البعض، يتم دعوته بهاتف من المعد ليقولها، بل ويختار الشخص المعني الطرف الآخر الذي سيجادله فيها، ويتم تعريفهما بشروط صراع الديكة الذي سيخوضانه على الطريقة الأثيرة التي ابتكرها فيصل القاسم في الفضائيات العربية، والتي جعلت الكاتبة صافيناز كاظم تطلب في بدايات برنامجه باصرار إلغاء رحلتها بعد إعلانها الانسحاب! المشكلة الكبرى أن هؤلاء أساءوا للإسلام خارج أوطانه، وجعلوه مادة للسخرية. صحف الغرب تنشر فتوى إرضاع الكبير، فإذا بتعليقات ساخرة من القراء تتحدث عن هؤلاء "العلماء" المهمومين في القرن الحادي والعشرين بحل معضلة الإختلاط بشرب "الحليب" الذي يجعل جميع شاربيه إخوانا من الرضاع، بل إن إحدى الصحف الأمريكية نقلت عن موقع يصدر في السعودية، صورة لعلبة حليب مكتوب عليها إنها مضمونة للتحريم على من تخالطهن أو تخالطينهم! هذه الصحف تتناول الموضوع بالسخرية والهمز واللمز عن هؤلاء المترفين الذين حلوا كل مشاكلهم الحياتية والواقعية ويبحثون الآن عن حل للاختلاط، مثلما توصلوا لحلول سحرية لاشباع شهوات مجتمعاتهم بالحلال فحللوا له زيجات غريبة كزواج المسافر والمسيار والمساكنة وغيرها كثير. في الوقت الذي كان يجب أن يستغل دعاتنا الفضائيات في الوصول إلى جميع أرجاء الكون كوسيلة سريعة جدا للدعوة إلى الإسلام في جميع أرجاء الكون لا تحدها المسافات ولا القوانين أو الحدود، حولوها إلى وسيلة للصد عن دينه ولإبلاغ الرسالة الخاطئة عنه.