عين الرضا وعين السخط، وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا. في كل قضايانا نعالج مايطرح على الساحة إما بعين الرضا أو بعين السخط في الغالب الأعم. عندما يتعلق الأمر بسجال أو اختلاف في الرأي بين فريق وفريق أو بين انسان وآخر فالكل يدلي بدلوه فيما يعتقد أنه الصواب، لكن عندما يتعلق الأمر بالمقارنة بين قول بشر وقول رب البشر، بين نص بشري ونص الهي، فعندئذ تبرز عين الرضا وعين السخط. الله عز وجل يقول : والذين آمنوا أشد حبا لله، ويفهم من هذه الآية الكريمة ضمنا أن غير الذين آمنوا ليسوا أشد حبا لله بل هم أشد حبا لما تمليه عليهم مصالحهم وميولهم وأهواؤهم، ولذا كثرت في الآونة الأخيرة محاكمة الفتاوى التي ينطق بها علماء ربانيون وكأنهم ليسوا علماء بل مجرد كتاب أو حكواتية، وليس ذلك بمستغرب في ظل الانفتاح العولمي وتقارب المسافات وسرعة انتشار الخبر في الشبكة العنكبوتية، فما كان متعذرا الاطلاع عليه في الماضي أصبح في المتناول مما ساهم في تنشيط وإثراء الساحة الفكرية خصوصا التنويرية التي تنتصر للرأي العقلي الذي يحكمه المنطق وتحاكم ماعداه، وفي المقابل صارت الفتاوى الانترنتية تتداول(بضم الدال) بسرعة فما إن تطلع على فتوى أو رأي حتى تقرأ نقيضه في اليوم نفسه مما أوقع الناس في حيرة كبيرة. عين السخط عندما تنظر لرأي فقهي من أحد أكابر العلماء لاتتلقفه بعين الرضا ولا بالقبول ولا بالتسليم بل تبدأ ممارسة هواية إثارة الشغب والاصطياد في الماء العكر فتلجأ لمشرحة التحليل العقلي المنطقي وتحاكم النص نازعة عنه أي قدسية وتضجعه على طاولة الفحص وتؤلب الرأي العام وتستنهض أفكار النخب وتسح دموع التماسيح وتتظاهر بانتقاص الحقوق وتسلط علماء الدين وتقلب الفتوى على كل جوانبها وتقذف بملاحظاتها واستنتاجاتها ثم تصرف جزءا من السيناريو بنسج تهكماتها كالشهب المحرقة لامراعاة فيها لكبير أو عالم أو من له سابقة في الدين ، ولاشك أن عين السخط خالطها الكثير من الدخن فنظرت إلى علماء الدين نظرة سوداوية بأنهم متسلطون يقصون غيرهم ولايسمعون لهم ولو كانت نظرتهم للعلماء بعين الرضا لرضيت وسلمت، ولرأينا نقاشا متعقلا وحوارا ماتعا وأدبا ماثلا للعيان. إن مايمارسه بعض من يسمون أنفسهم بالنخب المثقفة في عالمنا العربي لايكسبهم احترام المتلقي المحايد حتى صارت كل النقائص التي يتهمون بها غيرهم هم أول من يمارسها قولا وعملا، وتراهم يعملون جاهدين على كسر هيبة الفتوى وكشف السوءات وانتقاص العلماء والولوغ في النيات وتلفيق التهم المعلبة وحبك الكلام الردئ والولوج في أعراض العلماء الذين أفنوا سحابة عمرهم في خدمة قضايا الأمة وارشاد الناس بينما نرى من ينتقدهم ويتربص بهم الدوائر في أبراج عاجية يثنون ركبهم أمام الشبكة العنكبوتية ويتصيدون أقوال العلماء ويحاكموها بدون رصيد معرفي في أحكام الشريعة ومقاصدها كل ذلك لأنهم ينظرون بعين السخط.