د.يوسف بن أحمد القاسم- الاقتصادية السعودية بين الفينة والأخرى تطرأ مواقف في مجتمعنا, نراها - ويراها كل غيور- جانحة كل الجنوح عن الدين, فنفاجأ بأن شريحة واسعة من مجتمعنا تقف موقف المتفرج من ذلك الجنوح الفكري أو السلوكي, مع بغضها لذلك الجنوح, وإنكارها له, ناهيك عن حرصها على عديد من الشعائر الدينية, فلماذا تقف هذه الشريحة الواسعة من مجتمعنا هذا الموقف المحايد, ولماذا تظل في موقف المتفرج, وكأن المتدينين هم المعنيون بالأمر دون غيرهم؟ والحقيقة أن هذا الواقع سببه مبررات عدة, من أهمها أننا نحن صنعنا هذه الفئة بأيدينا, وأنتجنا مواقفها بنظرتنا الضيقة, فعاشت حيناً من الدهر- وما زالت - تصنف خارج دائرة التدين, مع غلبة الخير على هذه الشريحة, فاكتوى من يوصف بالمتدينين بنار هذه النظرة الضيقة للدين وأهله في هذه الظروف والمتغيرات التي يعيشها مجتمعنا هذه الأيام..! إن التدين لم يكن في يوم من الأيام مجرد مظاهر, يتظاهر بها المسلم وهو يخفي وراءها تلالاً من الكبائر والموبقات, كما أن الرمي خارج دائرة التدين لم يكن مرة مرتبطاً باختفاء بعض المظاهر الدينية ما دام أن الخير هو الغالب على سلوك المسلم, وأن طاعة الله هو محركه الرئيس. إن كثيراً من المسلمين لا تظهر عليه بعض مظاهر التدين, لكنه من أحرص الناس على الصلاة, وفعل المعروف, ومن أنظف الناس سيرة, وأنقاهم سريرة, ولو سبرت حياته لوجدت الخير هو الغالب على سلوكه, فهذا خير من ملء الأرض ممن يتظاهر بالدين - وهو على خلاف ما يظهر- ويبارز الله بالمعاصي في الخلوات. وهذا الصنف المتظاهر كثيراً ما يكشفه الله تعالى عاجلاً أو آجلا بإظهار سريرته, إما في صورة تلاعبه بأموال الناس, أو في غشه لهم, أو في صورة كذبه وتلونه في المواقف, أو في صورة نصرته لأهل الباطل, وإما بإظهار ما تكنُّه نفسه من حقد على الدين وأهله. وكم من أناس - وأرجو أن يكونوا قلة- ظهرت عليهم سيما التدين, ولكن حين خولطوا في البيع والشراء, أو في الجوار, أو في الأسفار, انكشف المغطى, وظهر المستور. إن التدين هو الخوف من الله تعالى بفعل الخيرات والطاعات, واجتناب الموبقات. ولا ينبغي أن تكون زلة, أو سيئة ما - مما يظهر للناس - سبباً في إصدار أحكام معلبة, مع كون المتلبس بها ممن يفعل الطاعات, ويدع أكثر الخطيئات, وممن تغلب حسناته سيئاته؟ إن كل مقصر مهما وقع في الذنوب - دون المكفرات - فهو في عداد المسلمين, له ما للمسلمين, وعليه ما عليهم, كما في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، ولهذا لا يجوز أن يستباح عرض المسلم بانتقاص أو ازدراء - فضلاً عن دمه أو ماله - كما لا ينبغي أن يكون خطاب الوعظ أو التذكير أو خطاب الجمعة منكفئاً عليهم, يلهب ظهورهم, وكأن غيرهم ممن ظاهره التدين, مستثنى من هذا الخطاب, غير متعلق به في قريب ولا بعيد. إن هذا الأسلوب الذي يختزل الدين في بعض المظاهر, ويقصي السواد الأعظم من المجتمع من خطاب التدين, هذا الأسلوب كان له النصيب الأكبر في تحييد هذه الفئة من المجتمع, وحشرها في زاوية ضيقة, وتمكين فئة أخرى للضرب على هذا الوتر, واستغلال هذه الثغرة لكسب الفئة الواسعة لصالح خطاب معين وأجندة معينة, وبالتالي تحقيق مكاسب فكرية, أو غيرها, وفشل بعض الجهود الإصلاحية من مواجهة بعض ما يحيق بالمجتمع. إن المسلم الواعي والداعية الحصيف هو الذي يستطيع احتواء الناس, وكسبهم لما يرضي الله تعالى, من أجل ظفرهم بسعادة الدنيا والآخرة, ولتكثير السواد, ومحاصرة الشواذ في زاوية ضيقة, وقطع الطريق عليهم من الاصطياد في الماء العكر.