وزارة التعليم العالي فتحت الباب مؤخرا بصورة لافتة لافتتاح عدد أكبر من كليات الشريعة في عدد من الجامعات السعودية سيما الناشئة منها، وارتبط أكثر هذه الكليات بتخصص الأنظمة أيضا، والتي من المفترض عطفا على ربطها بكليات الشريعة وليس القانون أن يكون المقصود بها بصورة أساسية الأنظمة العدلية الشرعية المعمول بها في الدولة، وسيكون ذلك استجابة حكيمة لسد العجز القائم في المتخصصين الشرعيين المؤهلين لممارسة القضاء والمحاماة والمهيئين لسد الحاجة في شأن التحقيق والادعاء العام والتوثيق القضائي في كتابات العدل وغيرها، فضلا عن الحاجة المستمرة للتطوير النوعي للعاملين في المجالات المعتادة من خريجيها كالتعليم وهيئات الأمر بالمعروف والمشتغلين بالإمامة منهم، وإذا ما جمع مع ماتقدم بعض المجالات التي لازال التأهيل فيها قاصرا كالمصرفية الإسلامية، وكذلك جانب التأهيل الدعوي التخصصي والذي لازال بحاجة ماسة إلى التطوير والمراجعة والإدراج البين في مناهج كليات الشريعة وذلك بالنظر لما جد من المتغيرات الهائلة في الواقع المعاصر من ثورة إعلامية وانفتاح تواصلي عالمي، وما جد من تضخم أعداد الأقليات الإسلامية في البلاد غير المسلمة، وتضخم الجاليات غير المسلمة في المجتمعات المسلمة. ومن هنا فإن من النصح للشريعة نفسها ولهوية هذه البلاد ورسالتها أن يتم بناء مناهج هذه الكليات الجديدة ومراجعة مناهج القائمة وفق معادلة تستصحب الأصالة العلمية التي تميزت بها هذه البلاد وتراعي المعاصرة وتطور الأحوال والمستجدات في نوعية القضايا والنوازل وآليات الخطاب وتنوع الوسائل، ولن يتأتى هذا إلا مع ترك فضاء واسع وحر لبلورة الرؤية المناسبة لهذه الكليات وتحويلها إلى مفردات محققة للمطلوب على أكمل صورة ممكنة في إطار تجديدي منضبط وحلة عصرية جميلة. وأعتقد أن وزارة التعليم العالي هي تحديدا المعنية بملاحظة هذه المعالم عند إجازة بل حتى عند الإعداد لخطط هذه الكليات دون أن تفرض رأيا أو قالبا واحدا مكررا، ودون أن تفترض القصور في جهود العاملين أو تشك في قدراتهم، إلا أن ملاحظتها لآلية وضع هذه البرامج وفق هذه الأطر العامة أمر مهم، وهو بطبيعة الحال سيمنع خروجها قاصرة عن المطلوب أو خاضعة لرؤية محدودة أو متأثرة بمدرسة دون أخرى كما سيمنع في الوقت نفسه من الاستنساخ ومن التعجل عند وضع مناهج هذه الكليات. أعتقد أن الواقع القائم اليوم لكليات الشريعة في المملكة ليس على الصورة المطلوبة وليس فيه الكثير من روح التجديد والمراجعة والتطوير بكل أسف. ولعل القرارات الأخيرة بافتتاح عدد من هذه الكليات يعد فرصة حقيقية لوضع هذه الكليات في إطار تنسيقي أكبر من مجرد لقاء متباعد لعمدائها كما هو الحال القائم يسمح لها بانطلاقة فاعلة مناسبة ومواكبة للمرحلة، كما أن من أبرز أسباب نجاح هذا التطوير في واقع هذه الكليات أن يتم ذلك عبر جهد جماعي تشاوري يساهم فيه الجميع وأول ذلك المؤهلون في هذه الكليات وتساهم فيه أيضا الجهات ذات العلاقة الوظيفية بخريجي هذه الكليات لتضع من المقترحات ما يسمح بتأهيل نوعي لكوادرها المنتظرة في المرحلة المقبلة. وأما أثر هذه التطوير على الجانب الفكري والدعوي وأهميته الخاصة في مقاومة ظاهرتي الغلو والتقصير فأمر لا يخفى، وتضيق عنه هذه الزاوية. gameel999@hotmail .com