ظهر وزير العدل اللبناني في لقاء صحفي متلفز ليعتذر لمصر شعبا وحكومة عن قتل وسحل الشاب المصري في قرية "كترمايا". ليس في ذاكرتي أحد اعتذر لنا قبل ذلك، وهذا يحسب لردة فعل الرأي العام الممزوجة بإعلام متزن في مصر ولبنان. من تكلم هذه المرة ليس إعلام الكرة كما حدث في أزمتنا مع الجزائر، بل إعلام ناضج خصوصا لدى أشقائنا في بيروت بما لهم من باع طويل مع الرأي والرأي الآخر الذي نفتقد مثيله في مصر، فلا نعرف إلا اثنين لا ثالث لهما، أما أن توافقني على رأيي ووجهة نظري وتظنهما وحيا منزلا لا يأتيه الباطل أو يقترب منه الشك، أو أنك عميل مقنع مسلط علينا، ولابد من إغتيالك معنويا ونفسيا! من حسن الحظ هذه المرة أن تغطية الحادث جاء متوزانا من الجانبين. الصحافة اللبنانية تحدثت عن جريمة سحل المصري بتعاطف شديد معه ومع أهله الذين أفزعتهم جثته المعلقة على عامود نور، للدرجة التي جعلت والدة الطفلتين اللتين اتهم الشاب بذبحهما مع جديهما، تقول إن الصحافة المصرية أنصفتها وتعاطفت معها، على عكس اللبنانية. لبنان بلد عريق في حرية الصحافة وفي مواقفها القومية، وكم خشيت أن نفقدها كما فقدنا الجزائر بسبب جنوح البعض إلى اللغة الشوارعية السوقية، لكن الحمد لله عبرنا الأزمة على خير بتوافق نادر من الجميع، فالاعلام انتهج الحكمة، وحكومة القاهرةوبيروت تصرفتا بذكاء شديد، فبالأمس خرج حسام زكي المتحدث باسم الخارجية المصرية داعيا إلى عدم تهويل حادث فردي، وقبله أدان مكتب رئيس الجمهورية اللبنانية في بيان عاجل قيام القرويين بقتل الشاب والتمثيل بجثته، وأخيرا انكتم الضجيج بالاعتذار غير المسبوق. من قرأ ما فاضت به منتديات ومواقع الانترنت خلال الأيام الماضية من هجوم وهجوم مضاد بين مصريين من جهة ولبنانيين وجنسيات عربية من جهة أخرى، يظن أن الحرب قادمة لا محالة، وأن مصر ستهاجم كترمايا فيرد حزب الله بضرب السد العالي بالصواريخ! الدولتان العملاقتان ثقافيا وسياسيا أدركتا أن عفاريت الانترنت التي تكتب بأسماء مستعارة لا تصلح لإدارة أزمات ولا تعبر عن رأي يؤخذ في الاعتبار، وإنما تلقي أحجارا من الفضاء المجهول، ومن الجائز جدا وفقا لنظرية المؤامرة أن يقوم الموساد بتجنيد أمثالهم ليسبوا المصري والمغربي والشامي والخليجي ويزيدوا الناس إحباطا ويزرعوا اليأس هنا وهناك، فيظن الجميع أن الغد لن يأتي، لأن الكل في العالم العربي في وضع الانبطاح والكراهية لأنفسهم! استقبلت القاهرة أمس جثة الشاب وقامت بدفنه.. واستمرت بيروت في تحقيقاتها بعد أن قامت بتوقيف ضابطين كبيرين في الشرطة القضائية، ويبدو أنها ماضية إلى مزيد من الاجراءات العقابية. وبين هذا وذاك.. انطفأت الأزمة ولم يتح لكبريت المهيجين على الانترنت أن تشتعل.