عادت قريبتي من مكة أمس، فسألتها كيف كانت عمرتك؟ قالت أول يوم أخذت عمرتي والحمد لله، لكن في اليوم التالي، ذهبت لأصلي صلاة العصر في المسجد الحرام وبعد أن وضعت أمي الكبيرة في المقعد المتحرك، قابلنا رجال ملتحون ونساء يتجللن بالأسود من رؤوسهن حتى أخمص أقدامهن يوجّهون النساء إلى مكان مطوق بسياج يحتجز النساء في ركن منعزل، لكننا لم نجد فيه موطئ قدم، ونحن أربع نساء وأمي على مقعد فتركت المكان وجلست في مكان قريب منه خارج السياج ثم فتحت قرآني وبدأت أقرأ القرآن بانتظار اقامة الصلاة، لكن الرجال الملتحين جاؤوا مرة أخرى، اخذوا يصيحون بنا، ويأمروننا بترك المكان، ثم قامت واحدة من الموظفات ودفعت مقعد أمي المتحرك ووضعتها في مكان بعيد مني، وتركتها هناك لتجبرني على ترك مكاني، بدأت طفلتي الصغيرة ترتعد من الخوف، لكنني قررت ألا أترك محلي، قلت لهم أريد أن أصلي بسلام هل هذا ممكن؟ صاح بي الرجل: هل تتحديننا؟ «كان صبري قد نفد، قلت له نعم أتحداك»، قالت المرأة الموظفة: «حسبي الله عليك»، قلت لها أنا بدوري: «حسبي لله عليك أنت». تحدث الرجل الملتحي في جهاز التخاطب عن بعد، وقال: «يا شيخ أنها ترفض ترك المكان هل ننفذ العملية؟ حسن سننفذ العملية». تقول قريبتي: عندما سمعت كلمة نفذ العملية، وقع قلبي لكنني استعنت بالله ونظرت لابنتي وهي ترتجف وتقول: أمي دعينا نذهب، قلت لها، وأنا أفكر متى تبدأ العملية، يا ابنتي سنجلس فالله معنا. قلت لقريبتي: «عنبوكم ذي حرب ولا عمرة؟» قالت: «اسكتي تجيتس السالفة». قال الرجل لزميله: هيا نفذ العملية يا شيخ، دب الخوف في قلبي وأنا أنتظر تنفيذ العملية، فاذا بالرجل الملتحي يمسك كل مصل يمر أمامه، ويقول لهم قفوا، صلوا هنا، حيث أجلس، ليحاصرني، ولأشعر بالضيق وأترك المكان لكن الرجال بعد ثلاث ثوان تلفتوا حولهم فوجدوا أن الرجل وضعهم في مكان ضيق وقرب ممر، فتركوه، وذهبوا يطلبون مكاناً أوسع في صحن المسجد، قلت لقريبتي: طبعاً وش عليهم رجاجيل، لهم الصحن دون العالمين جميعاً ولنا القبر، قالت قريبتي: «اسكتي بس، واسمعي باقي العملية». أعلن الامام قيام الصلاة، فانصرف الرجال الملتحون وبدأت بعض النساء ممن لم تجد لها موطئ قدم في المكان المخصص للنساء يقفن بجانبي، وصلينا، لقد حررنا مكاناً للنساء، ثم جاءت الموظفة التي دعت علي، واعتذرت مني وقالت سامحيني يا أختي انما أنا عبدة مأمورة، فقلت لها اذا أردت أن أسامحك اذهبي واحضري أمي التي قذفتيها في مكان بعيد ففعلت. فقلت لها: إذاً سامحتك. الحقيقة أنها قصة جميلة من الكفاح والنضال في الدفاع عن حق صلاة امرأة في المسجد، وتصلح أن توضع في دروس المطالعة للبنات خصوصاً أنها انتهت بالصلح خير، لكن ماذا سيكون عنوان هذه القصة (حدث في البيت الحرام). قريبتي الأخرى حدثتني عن زيارتها إلى المسجد النبوي فقالت: «ان النساء لا يسمح لهن بالدخول سوى من بوابة واحدة فقط والبوابات الأخرى كلها للرجال، ولو جاءت سيدة تمشي مثلي، فإنها لن تتمكن أن تدخل من أقرب بوابة تصلها، بل عليها أن تمشي مسافة بعيدة لتصل إلى بوابة النساء الوحيدة، التي ما وصلتها إلا وقدماي تعبتا، ما جعلني عاجزة عن الذهاب في اليوم التالي»، ثم قالت «ضيقوا علينا الوسيعة يا بنتي».