هناك مجموعة من الأسئلة المثارة في بعض الأوساط المحتقنة أو المعارضة للحراك الإعلامي في المملكة، ومن حرارة ما يوجس المعترض تجاه ما يقرأ ويشاهد ويسمع تتقلب أسئلته المطروحة: هل الإعلاميون لايحاسبون؟، ولماذا لاتنظر المحاكم في الدعاوى ضد الإعلاميين؟، وهل أصبحت لجنة النظر في المخالفات الإعلامية مخرج الهرب لكل إعلامي متورط؟. الملف الذي طرحته «عكاظ» الخميس الماضي ووصفته بالجدلي، حول قضايا الاحتساب ضد الإعلاميين، أثبت أن منطقة رمادية واسعة بين المساحة القانونية وبين تطبيق الأنظمة أحدثت خلطا عند رافعي الدعاوى وعند الأطراف المدعى عليها. المنطق يقول: إن من حق أي شخص أن يعترض عند المساس بإطاره الخاص، والمرسوم الملكي قضى بإنشاء لجنة تضم أطرافا متعددة تنظر في المخالفات الصحفية والإعلامية، وعممت وزارة العدل على محاكمها كافة بعدم النظر في القضايا الإعلامية لعدم الاختصاص وأن الجهة المخولة بالنظر هي وزارة الثقافة والإعلام... وجميع ذلك مفهوم ومستوعب في شكله العام، لكن ضبابية المصطلحات تجعلنا نفتش عن الشرح التفصيلي الذي يزيل الخلط القائم، مثلا: كيف يمكن التفريق بين القضايا الإعلامية والقضايا الشخصية التي تطرح في وسائل الإعلام، وما هو الضابط المحدد للتفريق بين «القذف» كفعل شنيع و «النقد"» كتناول لقضية رأي عام، ولماذا لا تزال المحاكم تستقبل دعاوى الاحتساب على الإعلاميين رغم وجود الجهة المختصة الرافعة للحرج الفقهي وفقا لنظام المرافعات الشرعية الذي أكد في إحدى مواده على «إلزام الجهات القضائية بقبول الدعوى من ثلاثة من المواطنين على الأقل في كل ما فيه مصلحة عامة، شريطة ألا تكون في البلد جهة رسمية مسؤولة عن تلك المصلحة»، وأيضا: أليست «المصلحة العامة» وعاء كبيرا يتشكل وفقا لمنظومة الزمان والمكان لاسيما إن تم تحديده في اللائحة التنفيذية ب «ما يتعلق بمصلحة البلاد»، فما يراه البعض مفسدة قد يراه الآخر تأكيدا على المصلحة. تمنيت في قراءتي للملف أن يدلي رئيس المحكمة الجزئية في جدة الشيخ عبد الله العثيم برأيه، إذ لم تنفع اتصالات المحرر ورسائله في التجاوب مع الموضوع، وذلك لتحرير محل النزاع في المسألة التي برز فيها اسم محكمته كعنصر فاعل في استقبال دعاوى الاحتساب على الإعلاميين، فهل في النظام ما يسمح؟. في المقابل أعلم حجم القضايا التي تنظر فيها لجنة المخالفات الإعلامية، وكثير منها حسم ضد الصحف السعودية التي تعرضت لغرامات طائلة بسبب مانشر على صفحاتها، وميدان الترافع مفتوح للجميع وفيه تتجلى روح القانون الذي يدعم لائحة التخصصات، وقيمة المرء –كما يقال- فيما يحسنه.