ثمة أكاديميون من جامعة الإمام يطالبون بعض الكتاب بأن يكونوا موضوعيين، فيقول لك أحدهم: «كنت أتمنى أن أجد حماستك هذه في التصدي لمن أساء لنبينا بالرسوم الكاريكاتيرية، لكنها للأسف حماسة تجيد ممارسة صفع المجتمع». مثل هذا الطرح ورغم سجاليته إلا أنه يجد رواجا كبيرا عند الكثير من العامة، لأنهم مثله يحملون ذاك العقل السجالي أو الطفولي إن جاز لي التعبير. والعقل السجالي هو: ذاك العقل الذي لا يريد حل المشكلة، لأنه في هذه المشكلة مدان، فيهرب من مناقشة القضية إلى قضية أخرى، كأن يقال لك: لماذا تنتقد أحد المفكرين الذي هاجم المرجع الشيعي السيستاني، ولا تنتقد عضو المجلس الذي هاجم الصحابة؟. وهكذا تجد نفسك منتقلا من قضية لم تحسمها إلى قضية أخرى، لن تحسمها أيضا، كأن يقول لك: «لماذا لم تكتب ضد الرسام الذي حاول تشويه نبينا (صلى الله عليه وسلم)». وحين تقول له: «كيف أكتب مقالا عربيا لقارئ عربي، أنتقد فيه رساما دنماركيا لن يقرأ نقدي لهذا لن يغير فكرته، ولا هو القارئ العربي سيستفيد من مقال موجه لمجتمع الدنمارك الذي لن يقرأ المقال؟». إمعانا في تقريعك سيقول لك «حامل العقل السجالي»: «ولو، أكتب لتبرئ ذمتك». فتمضي بعيدا عن هذا الحوار البيزنطي والكاتب/الديكتاتور الذي يريدك أن تنتقد ما ينتقده هو، هذا على افتراض أنه يمارس النقد، وليس الردح، فمهاجمة شخص يعيش في الدنمارك ولا يجيد اللغة العربية، وبالتأكيد لا يقرأ الصحف العربية، هي نوع من أنواع الردح، أو محاولة لوضع نفسك على مقصلة الصيت الحسن ليقول لك القارئ بعد فاصل من اللعن «بيض الله وجهك»، فتشعر بنشوة، مع أن المستهدف في المقال «لا يعلم عنك شيئا» لا أنت ولا قارئك المصاب مثلك بالعقل السجالي، والذي يفضل الردح أكثر من مناقشة كل قضية على حدة. خلاصة القول: إن العقل السجالي لن يوصلنا لحل أية مشكلة، لأنك حين تتحدث عن فكرة هدم المسجد الحرام، هل هي صائبة أو تحمل في طياتها العبثية، أو اتهام حديث نبوي بأنه متوحش، فينقلك أحدهما للرسوم الكاريكاتيرية، فيما الآخر يسألك: ماذا عن القاعدة ولماذا لم تهاجم توحشها؟. مع أن التوحش يكمن في طيات العقل السجالي الرافض للتعدد والتنوع وحرية الرأي، والذي جعل كل قضايانا مؤجلة، لأن هناك دائما من سيقول لك: «لماذا كتبت عن هذا ولم تكتب عن ذاك؟». [email protected]