ما زال العقل لدى أغلبنا يعيش مأزقا لا يريد التخلص منه، لهذا غالبيتنا يتنقل في حواراته من موضوع لآخر، دون أن ينجز أو يصل لحلول منطقية لما بدأه، وهذا ما يسميه العاملون على نقد العقل «بالعقل السجالي»، أو الطفولي. ما فات من كلام يحتاج دليلا لتفسيره. كتب الأستاذ قينان الغامدي مقالا يتحدث فيه عن خطر «انفلونزا الخنازير»، محذرا أن الأمر خطير «وهو كذلك». فأرسل مدير عام مستشفى جدة الوطني الأستاذ لؤي مطبقاني رسالة يسأله ما الذي سيحدث لو ارتفع ضحايا انفلونزا الخنازير إلى الآلاف، ألا يستحق الأمر إعلان حالة طوارئ لإيقاف هذا الهلاك المستمر؟ وكان يقصد أن حوادث المرور سنويا تأكل آلاف المواطنين، فلماذا نتحدث عن ضحايا انفلونزا الخنازير؟ بالنسبة للعقل السجالي الأمر منطقي ومقبول، فكيف تتحدث عن موت عشرات، وتطالب بحالة طوارئ ولا تفعل شيئا حيال الآلاف؟ ثم جاء الفلتة «صالح الشيحي» ليستعير السؤال من الأستاذ لؤي ويقول: «ماذا لو كان هناك بالفعل عصابة تقطع الطرق، كالتي تخيلتها قبل قليل، وتقتل كل ليلة ما بين عشرة وعشرين شخصا، ألا تستحق ذلك إعلان حالة طوارئ استنفارا من جميع أفراد المجتمع ومؤسساته، هذا حال حوادث المرور، إذن ألا يستحق الأمر إعلان حالة طوارئ مرورية لإيقاف هذا الهلاك المستمر»؟ وهكذا هو العقل السجالي، ينتقل من «انفلونزا الخنازير» لحوادث المرور، إلى عصابة قطاع الطرق، وينسى القضية الأولى التي بدأها الأستاذ قينان الغامدي، ويتم جره عنوة للتحدث عن أمر ثانٍ وثالث ورابع، دون أن ينتهوا من أية قضية، فكل القضايا علقت، لأن كل عقل سجالي يرى أن ما يراه هو أولوية الأولويات، إلى أن يرسل أحدهم للأستاذ قينان سؤالا مفصليا «إلا وش طابخ المدام»؟ العقل السجالي لا يمكن له أن يجيب على السؤال المهم: «ما دخل حوادث المرور بانفلونزا الخنازير، أو هل طالب قينان بالاهتمام بانفلونزا الخنازير على حساب حوادث المرور؟ مع ملاحظة أن حوادث المرور ليست وباء، بل هي عمل يقوم به كل البشر، وفيه احتمالية خطر تقل نسبته وترتفع من مجتمع لآخر حسب الوعي والنظام وعدم دخول قطع الغيار المزورة، فيما الوباء إن أصيب به عدد بحجم من يذهبون ضحايا الحوادث في السنة، هذا يعني أن نصف المجتمع مهدد بالخطر إن لم يكن أكثر. خلاصة القول: إن هذا العقل أحد مآزقنا الكبيرة، لهذا كل القضايا مؤجلة، لأنه -أي العقل السجالي- لن يتوصل إلى أية القضايا يناقشها وينهيها، وعادة ما يختم حواره بعد القفز على كل القضايا «وش رأيكم نلعب بلوت»؟ وبما أننا نتحدث عن «وباء انفلونزا الخنازير»، يمكن لي أن أقول: العقل السجالي وباء آخر يستحق أن يعالج، وهنا لن أطالب وزارة الصحة بالعلاج، بل وزارة التربية والتعليم أو مصنع العقول، لأنه ودون علاجه سنستمر في القفز من موضوع إلى آخر، ومن وباء إلى حوادث إلى عصابة قطاع طرق، إلى السؤال المفصلي «إلا وش طابخ المدام يا قينان»؟ S_ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة