عبده خال * عكاظ السعودية في أوقات كثيرة عندما أستمع لواعظ أو داعية أصاب بحنق وأردد بيني وبين نفسي ليته سكت.! فبعض الدعاة والمتحدثين يرى أنه الأصلح لأداء هذا الدور (من غير إجازة) بينما تكون أدواته قاصرة عن هذا الفعل لما يحدثه في نفوس مستمعيه من مشاعر شتى تأتي على صور عديدة كخلق حالة نفور من خلال الصوت المتعالي المنتحب والمفتعل، أو الدهشة من الأسلوب الفض في اختيار مفردات الوعظ، أو الاستغراب للجراءة في الخوض في مسألة خلافية لم تحسم عبر الأزمان المتعاقبة. وكنت أستمع لأحدهم على إحدى القنوات الفضائية في سلسلة من المحاضرات يستخدم فيها مفردات (يمكن أن نطلق عليها مفردات شوارعية) لعدم ملاءمتها لواقع الحال، وتجد آخر عند ما يتحدث عن صحابي جليل كبلال أو زيد أو صهيب تجد أن نطقه لمفردات جافة تحمل عنصرية بغيضة كأن يقول كان (عبدا) أو مولى .. وفي الكتابة قد لا تبدو العنصرية ظاهرة لكن عندما تسمعها لفظا تشعر بالتحقير حين ينطق أن بلالا كان عبدا حبشيا .. أو تجد ثالثا يخلط الاستشهادات خلطا مريعا، ورابعا لايرى في الدنيا من الصالحين سوى من يتحدث إليهم بينما من هم خارج قاعة الاستماع أناس أقرب للفسوق والفجور من الصلاح (وينسى هذا الواعظ أن محاضرته ستذاع هنا وهناك)، وخامسا يزلزل الدنيا بصوته حتى لا تكاد تسمع من كلماته إلا صريرها متناسيا أنه لم يصلنا عبر السنة أن الرسول الكريم كان يرفع صوته بهذا العلو المزعج بل على العكس تماما فقد نزل القرآن مطالبا الصحابة بخفض الصوت في حضرة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وخفض الصوت وتناغمه وسلاسته أمر في غاية الأهمية لمن رغب في إيصال رسالة ما، وتجد واعظا سادسا قاطع العبارة باتر الحكم، حتى أنه يقسم بجل أسماء الله الحسنى أن ما يقوله هو الصحيح الذي لايأتيه الباطل من بين يديه أو خلفه، وتجد سابعا يمسك بكتاب رياض الصالحين ليقرأ منه من غير شرح أو إيضاح لما يقوم بقراءته وكان أولى بهذا الواعظ أن يقول لمستمعيه اقتنوا كتاب رياض الصالحين واقرأوا من صفحة 30 إلى صفحة 35 وكفى الله المؤمنين القتال، وتجد ثامنا وعاشرا ومائة وكل منهم يسبح في فلك يتسع ويتسع وفق إحساسه بصلاحه عن بقية خلق الله .. بينما تجد في المقابل علماء متمكنين من المعرفة والأسلوب وامتلاك الرؤية ومخاطبة الناس على قدر عقولهم إلا أن هؤلاء قلة قليلة جدا. ولأن الحابل اختلط بالنابل، ولأن كل مسجد بحاجة إلى إمام وكل قناة بحاجة لمتحدث كثرت أخطاء هؤلاء الوعاظ، بينما لو عدنا تاريخيا فإنه لم يكن لأحد من العلماء أن يتصدر حلقة للذكر قبل أن يجاز من عالم آخر يكون قد تتلمذ على يديه حتى يوقن العالم من مقدرته على تصدر حلقات الذكر والتحدث للناس كموجه وفقيه ليجيزه من أجل إعطاء الدرس. أما الآن، فنحن نعيش في زمن الفضائيات والوعاظ والمحللين لسوق الأسهم.