حينما كنت طالباً في بلد إسلامي غير عربي كان إذا امتطى خطيب الجمعة ظهر المنبر يكون كالأسد، جميع المصلين منصتين بآذان صاغية وعقول متفتحة تتلقى المعلومة بتفاصيلها وشروحها من القرآن والسنة والإجماع وما بها من اختلاف بين العلماء واستشهادات شعرية. خطبٌ كانت تصاغ من الواقع الاجتماعي والتطور التقني. وأذكر خطبة لن أنساها حيث كان الخطيب يحمل شهادة الدكتوراه في علوم الحاسبات ربط فيها جسم الإنسان وأعضائه بجهاز الكمبيوتر ومحتوياته وسأذكر مثالاً لما قاله بأنه حينما يصاب («الهارديسك» وهو قلب الكمبيوتر) بفيروس يؤثر ذلك على جميع مكونات ومحتويات الجهاز لذا جميعنا يحرص أشد الحرص للحفاظ على عدم خرابه وخلله، كذلك قلب الإنسان إذا امتلأ بالذنوب والمعاصي»الفيروسات» أثر ذلك على باقي الجسد. كم هو ممتع ذلك الأسلوب في الطرح وكم هي جميلة تلك التشبيهات والتركيبات. وفي المقابل كل يوم خميس ليلاً أحمل هم خطبة الجمعة بالمسجد الذي أصلي به حيث أن كل من أتى على هذا المسجد كإمام وخطيب لا يختلف عن الذي سبقه من حيث إنهم: خطباء ولكن...مستحيل أن يصعدوا إلى المنبر بدون»الأوراق» التي يقرأون منها الخطبة وكأنهم في عهد الكتاتيب بل «ويتهجون» الكلمات ويخطأون في القراءة. بعض الخطباء لا يجيدون اختيار المواضيع التي تلامس أهل الحي والمنطقة التي يسكنون بها، وإقحام «العقيدة» في أي موضوع يتم الحديث عنه، كما يكثر تكرار نفس المواضيع من فترة إلى أخرى، وهناك 3 مواضيع تُسمع في نفس الفترة من كل سنة في شهر ربيع الأول المولد النبوي الشريف، في شهر رجب الإسراء والمعراج، في شهر شعبان صيام النصف من شعبان. مثل هؤلاء خطباء ولكن...لا تتنوع مصادر معلوماتهم فمراجعهم لا تتعدى شخصين أو ثلاثة. خطباء ولكن...لا نسمعهم يستشهدون بأبياتٍ شعرية. خطباء ولكن...لا يمتلكون موهبة الخطابة. خطباء ولكن...لا يجيدون تطويع نبرة أصواتهم على حدث سياق الجملة. خطباء ولكن...لا يجيدون استخدام فنون اللغة العربية من سجع وطباق وجناس إلى آخره من فنون افتقدناها على منابرنا. خطباء ولكن...لا يجيدون التفرقة بين نطق حرف (الظاء) ونطق حرف (الضاد). خطباء ولكن...لا يتفننون بل ولا يتقنون (دندنة معاذ) بالدعاء بل وبعضهم لا ينغمه. وها نحن الآن أصبحنا في زمن الحوار الثقافي والفكر ومواجهة الفكر بالفكر ومن باب الأمانة التي يحملها الخطيب فلماذا لا يتم عمل دورات تأهيلية مكثفة لخطباء المساجد (قبل تعيينهم) تثقفهم في أسلوب الخطابة، التطويعات الصوتية، اللغة العربية ومفرداتها، علم النفس، علم الاجتماع؟وهكذا من العلوم التي تجعل المصلي والمستمع يستفيد مما يقال ويستمتع بالآداء. كما أود أن اقترح حمل جهاز إلكتروني جديد في يد الخطيب بدلاً من الأوراق مع أني أتمنى أن يسترسل الخطيب ارتجالاً مسبقاً بتجهيز. للتواصل عبر البريد الالكتروني / [email protected] على التويتر : @engwaelab