ظاهرة الهجوم الليبرالي على الدعاة أو المشايخ في السعودية على الصعيد الفردي أو الجماعي ليست بالشيء الجديد، يقابلها في الاتجاه الآخر الهجوم الإسلامي العنيف والمستمر على حملة هذا الفكر أو المنتمين لهذا التيار بوصفهم مخالفين لصريح الكتاب والسنة ومارقين عن الدين أحيانا أخرى، في حين يكتفي البعض الأقل حدة من سابقه بالدعاء لهم بالهداية والصلاح والرجوع إلى الطريق القويم. الصراع الإسلامي الليبرالي في السعودية - في نظر الكثير- لن ينتهي مهما خفت حدة الحوار أو هدأت وطأة الصراع أو حاول البعض السعي لرأب الصدع عن طريق لبرلة الإسلام أو أسلمة اللبرالية لأن الهوة سحيقة ويبقى المأدلجون من الطرفين بعيدي أشد البعد عن محاولات البعض القليل في التقريب وغير راغبين فيها. الدولة المدنية ، الاختلاط ، نقد المرجعية الدينية، قيادة المرأة للسيارة ، كانت وما تزال أغلب مظاهر الصراع القديم المتجدد لدى الأطياف المتضادة فكريا في المملكة العربية السعودية. المنتمين للفكر الديني الإسلامي سيما السلفي على وجه الدقة يتعاملون مع الليبرالية والعلمانية وغيرها من الاتجاهات الفكرية المعاصرة موقف المعادي للإسلام الناقم لتعاليمه الهادف لتمييع أسسه ومبادئه ومحاباة الغرب الكافر والوقوف سدا منيعا ضد تطبيق الشريعة في الجانب الآخر يرى الليبرالي السعودي نظيره السلفي متشددا رجعيا يقف حائلا ضد التطور والتقدم ويتعامل مع المرأة بدونية واستعباد في حين يرى في نفسه المنقذ لها من القيود الرجعية بتحريرها على الطريقة الأوربية، ولو على سبيل التدرج. السطور السابقة ليست تأليبا للطرفين المتعاركين فكريا أو تحريضاً لأحد المتبارين منهجياً ضد الآخر أو دعوة لمزيد من اشتعال الأجواء المشتعلة مسبقا أو سكبا للمزيد من الزيت فوق النار – كما يقال-، بقدر ما هو توصيف لطبيعة الصراع القديم المتجدد، الذي لم يفتأ أن ينتهي من معركة إلا وتبدأ أختها أو يجدد أحد المعارك القديمة، ويوقد جذوة النار من تحت الرماد. وعليه فمحاولات الحوار أو تضييق الفجوة –برأيي- لن تجدي ثمارها عند الأغلبية الساحقة من الطرفين ولن تجد القبول المطلق أو الرضا الكامل لأنها ستكون بنظرهم انهزاما لأحد الطرفين للآخر أو تمييعا لأسس ومبادئ طالما تغنوا بعدم التنازل عنها. وبالرغم من تسلمينا بتلك الحقائق فإنه لا يعني أيضا أن نقف مكتوفي الأيدي عاجزين عن كبح جماح الأمور أو أن نترك الحبل على الغارب -كما يقال-. فهناك أسس ومبادئ وشريعة تحكمنا لابد وأن نجعلها النبراس فيما اختلفنا فيه أو تجادلنا حوله وهو ما أكد عليه سماحة مفتي المملكة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في لقاءه التلفزيوني مع الدكتور عبد العزيز قاسم (الإعلامي المعروف) على شاشة قناة دليل الجمعة الماضية حيث شدد على أن كل خلاف يجب أن نرده إلى الكتاب والسنة، وأن ثقتنا بدينيا يجب أن تكون فوق كل اعتبار، فإذا ما وضع المتجادلين فكريا في حسبانهم هذا الاعتبار مع الالتزام بما جاء في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدا لله بن عبد العزيز حفظه الله أمام مجلس الشورى حيث أكد أمانة الكلمة وخطورتها كونها أشبهُ بحدّ السيف ، وأنها إذا أصبحت أداة لتصفية الحسابات، والغمز واللمز، وإطلاق الاتهامات جزافاً كانت معولَ هدمٍ لا يستفيدُ منه غيرُ الشامتين بأمتنا. فإذا ما وضع المتبارون فكريا في الحسبان تلك الاعتبارات وكانت هي النبراس في حوارهم مع بعضهم البعض حينها ستعود الأمور إلى نصابها الصحيح وتنهض الكلمة ويرقى الفكر ليصب في النهاية للصالح العام لوطننا وأمتنا.