نظر الزميل الفاضل، د.محمد بن عصّام السبيعي، في مقال له بالقبس يومي 24، 25 ديسمبر 2009، الى تكتل الاخوة «الكنادرة»، احدى جماعات المجتمع الكويتي المعروفة، من زاوية جديدة، اذ شبّه هذا التكتل.. بالقبيلة! مقال د.السبيعي، الذي جاء تكملة لمقالات له متميزة، في دراسة وتحليل الوضع القبلي بالكويت، نُشر هذه المرة، في جو الازمة المؤسفة التي انفجرت قبل فترة، وأثارت ما اثارت حول «الازدواجية في الجنسية»، والعلاقات القبلية- الحضرية، ومستقبل القبيلة كرابط اجتماعي.. وغير ذلك. تمنيت لو ان الزميل الفاضل كتب مقاله بمزيد من الوضوح في بعض نقاطه، فالمقال يوحي في بعض فقراته بتحمسه للواقع القبلي، و«دور القبيلة وتنويعاتها في شؤون هذا المجتمع وسياسته، شأن المجتمع العربي قاطبة». وقوله ان «القبائل هي بطون العرب مثلما الشعوب هي بطون العجم» وقال ان «مشروع القبيلة هو مفتاح القوة في علم الاجتماع العربي». وقد يفهم القارئ ان د.السبيعي يقصد تخليد دور القبيلة، وان الشعوب غير العربية او «الاعاجم»، لم يعرفوا التركيبة القبلية والعشائرية في بعض مراحل تطورهم قبل تحولهم الى شعوب، وان القبيلة العربية كيان تاريخي اجتماعي، تستمر وظيفته ودوره الجليل الى الابد، وان القبيلة ظهرت لتبقى بل ولتُستنسخ!! ولا اعرف ان كانت هذه قناعات الزميل ام اننا استعجلنا وابتسرنا الفهم. غير انه، استطرادا، يشير الى جاذبية وقدرة النموذج القبلي في ان يهيمن دوما على «نحو نصف مقاعد البرلمان» في الكويت، رغم «تقسيم جائر للدوائر الانتخابية وتقسيم لا يعكس توزيع الناخبين في الدولة». ويلاحظ د.السبيعي، ان الاخوة الكنادرة قد عمدوا في الواقع الى تقليد التركيبة القبلية: «فالرابط الاول لافراد هذه الجماعة تُلخّص في مهنة السقاية والتزويد بالمياه في حقبة خَلَت، غير ان كساد تلك الصناعة مع البعث الحديث للدولة احال ذلك الرابط الى وشيجة قبلية، بكل ما يعنيه ذلك من تضامن آلي وعلاقات وثيقة عمادها المصاهرة، وعمل جماعي محكم.. لذلك تبقى ظاهرة تحول الكنادرة فريدة في اثنولوجيا المجتمع الكويتي. وقد كان من ثمار ذلك صعود حظوظ الكنادرة الى ضمان مقعد أو اكثر تحت قبة البرلمان، هذا فضلا عن فلاحهم في الاستحواذ على موارد عديدة في غمرة الصراع الاجتماعي». ويختتم مستنتجا: «ولا اظن ان احدا يزايد في ان ما يحققه الكنادرة من تماسك ونجاح، يعودان في علتهما الاولى الى تشييدهم لبناء، هو ببناء القبيلة اشبه، أي يقدم نموذجا ايجابيا للاستنساخ الذي يستلهم آلة القبيلة ويعمم نموذجها». ولا شك ان تحليل د.السبيعي لهذه الظاهرة تستحق التأمل والرصد. ولكن ليس من الواضح ان كان يعتبرها، ان تنامت واتسعت، اتجاها ايجابيا. فهل تكتل الاخوة الكنادرة، أو غيرهم من الكويتيين، على النهج والهيكل القبلي، حتى لو نجح سياسيا أو اجتماعيا، مفيد لهم وللمجتمع الكويتي، على المدى البعيد؟ وهل يتنبأ أو يشجع أو يرى في الافق الاجتماعي، المزيد من «القبائل» الكويتية المهنية أو الاثنية أو المذهبية؟ واذا كان استنساخ الاخوة الكنادرة للاطار القبلي في رأي د.السبيعي، «ظاهرة ايجابية»، بحكم اعتقاده بأصالة ودوام دور القبيلة ونموذجها الهيكلي في العالم العربي، فهل من الافضل تنامي هذا الاتجاه في العالم العربي وربما الاسلامي. أم انحساره لصالح مجتمع مدني حديث؟ ومن الاشادة بعبقرية التلاحم القبلي للاخوة الكنادرة، يعرض الباحث «النموذج السلبي» للتكتل القبلي والتجمع العصبوي، ويراه د.السبيعي في وقوف «الحضر» في الكويت ضد ابناء القبائل! اذ يرى فيه تركيزا لجهود شرائح اجتماعية كويتية عديدة «في سبيل شل حركة القبيلة وتحجيم طموحها». وهو اصطفاف، يقول، «يجمع اعراقا شتى واناسا لا يجمعهم في الطبيعة جامع، سوى خلو سلسلة اسمائهم من نسب القبيلة أو عدم اجادتهم للهجاتها». ولا اشارة هنا للاسف حتى للرابطة الوطنية والدستورية التي تجمع كل الكويتيين مهما بلغ استياؤهم من مشاكل الواقع السياسي للبلاد!! وعن «تركيبة» هذا الاصطفاف المعادي للقبائل، يرى د.السبيعي، ان «منهم الساقط البذيء الذي لم يتعلم من العرب قيما، ومنهم من يضع على هامته اكليلا من ريش الليبرالية ولا يشط عنهم، مطلقا ذقنه علامة على الورع والاستقامة.. يتضامنون تضامن القبيلة، ويؤدون وظيفة واحدة مؤداها وضع حدود لحركة كل من ينتسب للقبيلة أو يشتبه في حديثه بلهجتها». وعن تأثير هذا الموقف يقول: «لقد افلح هذا الاسلوب المضاد الذي يستخدم منذ عقود ولا يزال، في تحجيم فرص كثيرين من ابناء القبائل في الصعود ونيل نصيبهم العادل من موارد الدولة. كما جرى بسبب هذا التكاتف المدهش تغييبهم عن المشاركة في الكثير من المشاريع الوطنية». وعلى الرغم من ما في هذا الاعتراض من نقد سياسي واجتماعي مشروع للواقع الكويتي الحضري - القبلي، الا ان مقال د.السبيعي خال للاسف من أي تحليل نقدي لعناصر المشكلة القبلية في الكويت، أو لعدم قدرة النخبة القبلية المستنيرة على التأثير في القبيلة وتوجيهها، ولا يتناول الكاتب كذلك «القبلية السياسية» و«الاسلام السياسي»، والحقائق الاخرى التي تتجاوز مصالح الكثير من الحضر واغلبية ابناء وبنات القبائل! الزميل الفاضل، في اعتقادي، يناقض نفسه، فهو في المقال الاول لا يلتفت اطلاقا الى «سلبيات النموذج القبلي» كاطار اجتماعي في العصر الحديث، ويعتبر استخدام الاخوة الكنادرة العصبية القبلية، للحفاظ على مصالحهم والدفاع عن كيانهم وطموحاتهم «استخداما ايجابيا»، في حين ينتقد بمرارة اصطفاف شرائح اجتماعية كويتية عديدة اخرى، بينها ربما كذلك نسبة من الاخوة الكنادرة والعوضية وغيرهم، معتبرا، مستخدمين جميعا نفس الاداة، أي الاصطفاف «القبلي»، بانه استخدام سلبي للاداة القبلية. على الرغم من ان اصطفاف الحضر هذا، قد يفسره المؤمنون به، بأنه اداة أو «ميكانزم» دفاعي، لحماية «مصالحهم» و«هويتهم»، حيث لا يرون لأنفسهم مكانا ومستقبلا.. في ظل «هيمنة القبائل»! لحسن الحظ ايها الاخوة من حضر ومن ابناء قبائل، مخرج آخر من المأزق، يعرفه الدكتور الفاضل.. ونعرفه جميعا! دعم مبادئ الدستور، وتفعيل القوانين، تقوية المجتمع المدني الحديث، رفض تسييس القبيلة والطائفة والجماعة