حمزة قبلان المزيني *نقلا عن "الوطن" السعودية تُبرز وسائل الإعلام كثيرا من الأخبار التي تسيء إلى صورة المسلمين في الغرب. فتهتم بما يرتكبونه من عنف وخروج على المعهود في اللباس والتصرفات اليومية التي تنتهك الأعراف والقوانين. ومن هذه الأخبار ما نقلته الصحف من إيقاف سائق صومالي مسلم للحافلة العامة التي كان يقودها في لندن لأداء الصلاة. فقد أوقف حافلته فجأة، وخلع حذاءه وبسط سجادته في الممر، ويمم وجهه شطر مكةالمكرمة حتى لا يفوته فرض الصلاة (الشرق الأوسط، 10 /2 /2010). ودعا ذلك التصرف "الغريب" هيئة مواصلات العاصمة البريطانية إلى الاعتذار عن تصرفات السائق وبينت أنها تحترم المعتقدات الدينية للسائقين فتوفر لهم غرفا للصلاة يمكن أن يصلوا فيها. واستنجدت بمن أفتى لها بأن السائق كان يمكنه أن يؤجل الصلاة لوقت لاحق. وكان وقع ذلك التصرف مخيفا على الركاب، وهو ما عبرت عنه إحدى الراكبات بقولها: غرقنا في صمت مطبق، وألصقَنا الخوفُ والمفاجأة في مقاعدنا، والهواجس تتنازعنا من أن هذا السائق قد يعد لهجمات إرهابية في الحافلة. ولم يكن شخص واحد قادرا على الخروج أو الدخول من الحافلة طوال الدقائق الخمس التي أدى فيها الصلاة". ويشير هذا الحادث إلى أن بعض المسلمين هناك ينقصهم الفقه في الدين الذي يمكن أن يساعدهم على التعامل مع البيئات الغريبة. ولاشك أن هذا السائق ضحية لبعض الفتاوى المتشددة التي أدخلت الوساوس إلى عقول البسطاء من المسلمين وصرفتهم عن سماحة الإسلام ورخصه، التي تسع أصحاب الأعذار وتخفف عنهم الواجبات. ويذكر الذين سافروا إلى الغرب في السبعينات الميلادية وما قبلها أنهم لم يكونوا يشعرون بحرج في المواءمة بين الفروض الإسلامية ووقع الحياة المختلف في الغرب. لكن الأمر اختلف في السنوات القريبة الماضية بسبب تسييس الإسلام والتأكيد على بعض مظاهر الهوية، وما تبع ذلك من الجرأة على الفتاوى التي تضع أغلالا على المسلم في الغرب حتى يخرج على السائد في مجتمعه الجديد. لكن الأغلبية من المسلمين هناك يعملون على المواءمة بين ثقافتهم وثقافة البلدان المضيفة، ويتعاملون بحسب القوانين والأعراف والأخلاق الإنسانية المشتركة، ويقومون بأعمال إيجابية تحتفي بها وسائل الإعلام الغربية احتفاء واسعا. ومادامت القصة الأولى عن السائقين فسأورد مثالين لسائقيْن مسلمين يمثلان نموذجين صالحين للمسلمين قدَّما صورة حسنة للطريقة التي رُبِّيا بها وللمعتقدات التي قامت عليها تربيتُهما. وقد نَشرت قصتيْهما صحيفة الجارديان البريطانية في 13 /1 /2010. ومن المفارقات الغريبة أن تحدث القصة الأولى في ليلة عيد الميلاد الماضية، وهي الليلة التي شهدت محاولة الشاب النيجيري عمر عبدالمطلب تفجير الطائرة الأمريكية القادمة من أوروبا إلى مدينة ديترويت في الولايات المتحدة! ونشرت الصحيفة هذه القصة بعنوان "سائق تاكسي في نيويورك يبحث عن راكب ترك في المقعد الخلفي للسيارة التي يقودها واحدا وعشرين ألف دولار". تقول الصحيفة إن والدة محمد أسد الدين ربما لم تعلمه شيئا عن أسرع الطرق في نيويورك أو عن كيفية التعامل مع سكانها. لكن المؤكد أنها غرست في السائق البنجلاديشي ذي الثمانية وعشرين عاما ما هو أهم بكثير، وهو الأمانة في أقصى حدودها. فقد وجد هذا السائق المسلم أن سائحة إيطالية نسيت حقيبتَها في المقعد الخلفي لسيارته وفيها أكثر من واحد وعشرين ألف دولار نقدا، ومجوهرات تبلغ قيمتها آلاف الدولارات، بالإضافة إلى جواز سفرها وجوازات سفر ستة من أقاربها كانوا جميعا سواحا في نيويورك، وذلك في أثناء ما كانوا يستقلون سيارتي أجرة من وسط مانهاتن إلى محطة القطار الرئيسية. ولما وجد محمد الحقيبة بحث فيها عن عنوان السائحة فوجد أنها تقيم في مدينة لونج آيلاند، فدعا صديقا له لمرافقته وبدأ رحلة الخمسين ميلا ليعيد ما وجده إلى صاحبته. ولما طرق باب المنزل الذي كانت تقيم فيه صاحبة الحقيبة ضيفة على قريبة لها، لم يجبه أحد، فترك رقم هاتفه وملحوظة تفيد بأنه سيحفظ لها ممتلكاتها. وبعد برهة رن هاتفه فرجع أدراجه إلى العنوان نفسه في لونج آيلاند ليعيد الحقيبة وفاء بوعده. ويقول محمد، وهو طالب بدأ يعمل سائقا لسيارة أجرة منذ ثلاثة أشهر بعد أن خفضت ساعات عمله في مصنع كان يشتغل فيه، إن صاحبة الحقيبة كانت سعيدة جدا بعد أن سلمها إياها. وقالت صاحبة الحقيبة لإحدى صحف نيويورك: "إننا مسرورون جدا بما فعله". ولم يبد محمد اهتماما كبيرا بالحادثة قائلا إنه رُبِّي على ألا يستغل الناس الآخرين أبدا. وقال إن والدته كانت ملهمتَّه إذ كانت توصيه دائما بأن يكون أمينا وأن يخلص في عمله. وعلى الرغم من أن ذلك المبلغ الكبير كان يمكن أن يسمح له بأن يستغني به فيركز على دراسته إلا أنه أصر على أن نفسه لم تحدثه بالاحتفاظ به قائلا إن قلبي كان يقول لي إن هذا عمل غير جيد. ورفض المكافأة التي قدمتها له صاحبة الحقيبة قائلا إنه مسلم ملتزم ولا يمكن أن يقبل ذلك المبلغ. وقال إنني محتاج لكني لست طماعا. أما القصة الأخرى فبطلها سائق مسلم أمين آخر. فقد نسي عازف "الكَمان" المشهور فيليب كوينت "كمانه" الأثري الذي يبلغ عمره 285 سنة، وتبلغ قيمته أربعة ملايين دولار، في سيارة أجرة كان يستقلها في مدينة نيوجيرسي بعد أن طار من مطار نيويورك. وعلى الرغم من خوفه من أنه لن يرى "كمانه" إلا أن سلطات المطار أبلغته فيما بعد أن سائق سيارة الأجرة، محمد خليل، أعاد الآلة الثمينة. وتعبيرا عن شكره للسائق كافأه بمئة دولار وتذكرة مجانية لحضور الحفلة الموسيقية التي سيقيمها في قاعة كارنيجي. ثم عزف بعض المقطوعات الموسيقية أمام خمسين من سائقي سيارات الأجرة تعبيرا عن تقديره لأمانة السائق. هذان نموذجان لمسلميْن عاديين لم يَخضعا للأدلجة ولا للتظاهر بالالتزام، ولا للتركيز على مظاهر الهوية، لكنهما نموذجان رائعان للالتزام الحقيقي بالقيم الإسلامية الصحيحة بعيدا عن الوسوسة والغضب والشعور بالدونية. وسيؤدي هذا إلى الاطمئنان إلى المسلمين في تلك البلدان بدلا من الخوف منهم. وكما يصلح هذان كنموذجين للمسلم في الغرب فهما يصلحان نموذجا للمسلم الملتزم في بلدان المسلمين كذلك.