محمد السحيمي - الوطن السعودية لن يختلف اثنان منصفان على أن نجم مباراة الجمعة الأول هو: "ياسر القحطاني"! كما لن يختلفا على أنه لم ولن يكون أسوأ منه في مباراة "النصر" الأخيرة في دور الثمانية! وبين المباراتين رغم قصر المدة قصة طويلة، مريرة، مثيرة، من حق شبابنا أن نرويها، فما أحوجهم إلى نماذج حية من أقرانهم، تؤكد لهم أن الحياة معركة ضروسٌ لا هوادة فيها، لن ينجيهم منها الخوف وإيثار السلامة، والانسحاب عند أول ضربة، والاكتفاء بالفرجة، بل لابد أن يخوضوها بكل إقدامٍ، ويشرعوا صدورهم لرماحها، ويردوا لها الطعنات بالطعنات، مدركين أنها لن تمهلهم لحظةً لتضميد الجراح، أو التقاط الأنفاس؛ إلى أن يضطروها للاستسلام، وينتشوا بلذة الانتصار، ويطفئوا بدموعهم جحيم الانكسار، كما فعل "ياسرهم" في نهاية المباراة! لم تكن المسألة مجرد الفوز بكأس جديدة، فمنذ ثلاثين عاماً و"الهلال" في البطولات: كالبصل في كل طبخة! ولكنها بالنسبة له: انتصار باهظ في تجربته النفسية الرهيبة، وخروج مظفر من نفق اليأس الدامس، الذي وقع فيه مصدوماً بحجم الكراهية والشماتة والحسد، حين فوجئ كأي شابٍّ بأن النجاح خطيئة لا تغتفر في مجتمع الازدواجية والتناقض! خاصةً أنه لا يملك براعة الدكتور/ "عبدالله الربيعة" ليفصل بين التوأمين السياميين في نفسه: "الشخص العادي"، و"المبدع الجماهيري"! فظل "اللاعب" ينهار تداعياً مع "الشخص"، ويتسارع انهياره كلما تذكرنا أن انتقاله من "القادسية" للهلال، ألبسه قميص "السوبر"، وهو اللاعب الجيد وحسب! ما الحل إذن؟ هل يتوقف قليلاً ليستوعب الصدمة ويستعيد توازنه؟ ألم نقل: لا وقت حتى لالتقاط الأنفاس؟! لا بد أن يستمر مهما كانت النهاية! تماماً كسوق الأسهم! وهبَّ محبُّوه معه؛ فأصروا على حضوره أساسياً في كل مباراة، واستدعي للمنتخب، وظلت الجماهير تهتف باسمه، و"اللاعب" لا يزيد إلا سوءاً! لماذا؟ لأنه كأي رجل يرفض الشفقة والرحمة! وأقسى ما يواجهه شاب في معركة الحياة هو: الإحساس بنظرات الرثاء والشفقة! ولن تزيده هتافات الحب إلا عذاباً؛ حين يشعر أنها صادرة عن عطف إنساني، لا عن إيمانٍ بفروسيته! وهو ما تقرؤه واضحاً على جبينه، حين هتفت الجماهير باسمه، في مباراة "النصر"، رغم إهداره فرصةً لا تضيِّعها جدتي "حمدة"، وهي "متخندرة" تحت تمريخي لرجيلاتها! ومن حضر المباراة، وأحس بألمه تمنى لو صرخ في الجماهير: كفوا عن هذا! إنه يريد "فهماً"، لا شفقةً ولا عطفاً! نظرة فهم واحدة تقول له: ستتجاوز الأزمة وتعود، لأنك تريد ذلك فعلاً، والإنسان لا يهزم إلا من الداخل! و.. وهاهو يغادر أسوأ مباراةٍ في حياته، وقد انتهت لحسن الحظ زرقاء! والأسوأ هو بداية الأفضل دائماً، فعاد "البطل"؛ لأن محبيه كفُّوا ف/ج/أ/ةً عن نظرات الرثاء، ورمقوه بسهام الفهم والتقدير..كيف؟ غداً؛ مالم يحبسنا حابس!