لأنه قال جملتين في السياق المعاكس لرؤية مدرسة، فقد استأثر الشيخ أحمد بن عبدالعزيز بن باز مطلع الأسبوع برقم شبه قياسي من ردود القراء الكرام وحجم تفاعلهم معه. قراءة رأي الشيخ وردود الجمهور إليه تعكسان تحولات مرحلة. كان ظهور أحمد بن باز للمرة الأولى (في مشاهداتي) خلال ندوة جامعية كبرى أقامتها إحدى الكليات حول منهج أبيه وطريقته في الدعوة ويومها كان ابن باز الابن نجم ذكرى والده وكان يستقبل كالكوكب في موكب وينتقل على هوامش الاحتفال من حفلة إلى حفلة. كان في بداية مشوار (الترميز) قبل أن يتخلص بشجاعة من سطوة العوام وهالة الإتباع ليبدو مستقلاً مثلما هو اليوم في آرائه الفقهية. وحينما قال قبل فترة إن والده – رحمه الله – كان يتلقى من البعض أسئلة محبوكة ملغومة تفصِّل الإجابة على قدر السؤال وهدفه كان الأوائل من داخل المدرسة الذين يقولون إن كثيراً من العلماء تعرضوا لأسئلة استفتاء مجانبة للواقع وإنهم وقعوا ضحية النقل الخاطئ في بعض الأسئلة في صور كأنها تجبر المفتي على إجابة محسومة. قصة التحولات في الأفكار تكشفها ردود الفعل ولو أن أحمد بن باز قال برأيه الذي قاله مطلع الأسبوع، في مطلع العقد الجاري ليلة الاحتفاء بذكرى أبيه لكانت ردة الفعل جارفة قاسية. والملفت أنه بكل المقاييس لم يكن ليستطيع ذلك على الإطلاق قبل عقد من الزمن مثلما هو ملفت أيضاً أن غالبية قراء اليوم هم من المؤيدين له والموافقين على رؤيته. إنه يبعث برسالة صادقة إلى ذات الخطاب أن يتداركوا التفات الجمهور إليهم بأن يدركوا أن الجيل الحالي في مواجهة أدوات تأثير ووعي أكبر بكثير من أن تحتويها جمل نمطية ضيقة وفي مواجهة خيارات حياة وعيش ووسائل رزق لا يمكن قفلها وكبتها وإن لم يكن الخطاب الجديد مع حاضر هذا الجيل وهمومه فلن يكون بذات المؤمل في المستقبل.