يمسك حاتم (14 عاما) ثلاثة مقصات، واحدا بيده اليمنى والثاني بيده اليسرى والثالث بأسنانه. يلوح بهم على ضفاف المروة للمعتمرين. عندما تدنو منه يلفظ المقص من فمه، ويمسكه مبتلا مع أشقائه في يديه ويقول عاليا: "أكمل نسكك بالحلق والتقصير". لكن حينما تحاول أن تتناول المقص برفق من إحدى يديه يقبض عليه بشدة ويسألك أن تدفع أولا. تباغته بسؤال موجز عن القيمة. فيقول لك بصوت خفيض ووجه منكوب "ادفع ما تيسر". ما تيسر لا يجب أن يكون أقل من خمسة ريالات؛ لأنها إذا كانت دون ذلك ستعود إليك مبتلة باعتذار مبطن "لا يا عمي، المقص أغلى". قد تعتقد أن علاقتك بحاتم ستنتهي حال رفضك عرضه أو شرائك المقص. بيد أنك مخطئ تماما، فإذا لم تشتره فسيلاحقك طويلا دون هوادة. سيتعلق بطرف إحرامك كطفل رضيع. وسيذرف دموعا وتوسلا. سيرجوك في هذا اليوم المبارك، في هذا الحرم الشريف أن تأخذ بيده وتبتاع ما في يده. وحينما ترضخ لندائه سائلا الخلاص ستجده يركض خلفك مخفورا بدموعه، محاولا استرجاع المقص لبيعه على معتمر آخر بعد أن تقضي حاجتك منه. حاتم لديه أخوان أصغر عمرا، لكن أطول لسانا. يجوبان الصفا والمروة برفقة مقصاتهما وإلحاحهما. مريم (12 عاما) تطارد النساء بقدمين ناحلتين طويلتين وعينين عسليتين غائرتين. تتكلم بيديها. تستعمل أصابعها لتسويق مقصاتها. إذا فشلت في مبتغاها فتحت صنبورها وتدفقت دموعها حتى تلتهم ما في جيبك. مسنة على كرسي متحرك أخرجت مقصها من جيبها وقالت لها بصوت طري: "لدي مقص يا ابنتي". لكن مريم لم تغادرها. هطلت دموعا وقبلت يدها ورأسها. ولم تكمل تقبيلها حتى حصلت منها على خمسمئة ريال. الورقة الزرقاء أثمرت عن تفاحتين حمراوين في وجنتيها قطفهما حاتم طازجتين من وجهها باقتلاعه الخمسمئة ريال بسرعة من يدها الصغيرة. محمد (11 عاما)، شقيقهما الأصغر، هو رادارالمسعى. يراقب الأجواء بدقة. يزودهما بالمعلومات. ويشعرهما بوجود صيد ثمين. هدفهم الرئيس هو اقتناص الكبار في السن فهم أكثر لينة وسهولة، أكثر سخاء وكرما. يرتدي محمد فانلة لاعب برشلونة الإسباني، ميسي وسروالا أبيض عليه صورة سيفين ونخلة باللون الأخضر. يجري بين المعتمرين بسرعة بالغة بحثا عن معتمر على كرسي متحرك أو كهل متعب. بعد مضي أكثر من ساعة من متابعة عصابة المسعى الصغار أثناء انتظار أمي من الفراغ من نسكها شاهدت خمسينيا يتجه نحو حاتم بخطوات واثقة. نهره بعنف ثم سلبه نقوده ومقصاته وجسده. انتزعه من المسعى برعونة. وتصفحت محمد يفتش عن شقيقته الكبرى مريم حتى وجدها. قاطعها أثناء مفاوضة معتمرة عجوز هازا كتفها بصوت مرتفع: "خالي وصل. تعالي". تركت مريم زبونتها ونقودها لاهثة خلف أخيها الصغير وهي ترتعش وتتحسس جيوبها وغنائمها. غادر الصغار المسعى تلك الليلة، لكن مازالوا يسعون ويغلون في رأسي؛ كونهم نواة للصوص كبار. يتدربون على الاستغلال والخداع في أغلى البقاع دون رقيب وحسيب. لنرعاهم ونعتني بهم، قبل أن تتحول المقصات التي في أيديهم إلى مشاريع وهمية أو مخدرات. فلحم بلا ملح وطفل بلا رعاية يفسدان!