طارق الحميد * نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية في تصعيد واضح، وعلى أعلى مستويات، هددت طهران على لسان المرشد الأعلى، والرئيس الإيراني، المملكة العربية السعودية، حيث طالب المرشد علي خامنئي الرياض بمعاملة خاصة لمواطني بلاده، وإن كان استخدم تعبير «الشيعة»، حيث اعتبر خامنئي موسم حج هذا العام فرصة لا بد من الاستفادة منها من خلال «التواجد قرب المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف، ومراقد أئمة الهدى وكبار الصحابة لترسيخ القيم الإيمانية والمعنوية والخضوع أمام الباري تعالى». أما أحمدي نجاد فذهب أبعد من ذلك، في لعبة توزيع أدوار واضحة، حيث قال إن موسم حج هذا العام «يعتبر فرصة استثنائية للدفاع عن القيم الإسلامية، وإن اجتماع المسلمين، وخاصة الحجاج الإيرانيين، سيفشل مؤامرات الأعداء ويزيد من وحدة المسلمين»، مؤكدا ضرورة الاستفادة من هذه الشعيرة من أجل البراءة من المشركين. وختم نجاد تصريحاته بتهديد صريح للرياض، حيث قال إنه في حال لم يتلق مواطنوه معاملة مناسبة فسيكون لبلاده موقف مناسب تجاه السعودية! وكلا التصريحين يعنيان ببساطة أن إيران تنوي استغلال شعيرة حج هذا العام من أجل أهداف وشعارات سياسية، وهو أمر مناف لقيم وتعاليم شعيرة الحج، حيث لا رفث ولا فسوق ولا جدال، في البلد الحرام والأشهر الحرام، كما أن الشعيرة المقدسة هي للعبادة وليست لاستخدامات سياسية على الإطلاق. إلا أن الواضح أمامنا هو أن إيران اختارت التصعيد مع السعودية من أجل الهروب إلى الأمام من أزمتها الداخلية، والضغط الدولي عليها؛ فمنذ أزمة الانتخابات الرئاسية الأخيرة يمارس النظام الإيراني تصعيدا إعلاميا، وغير إعلامي، ضد السعودية وبشكل مستمر، فقد رأينا كيف سعى وزير خارجية إيران من أجل إقحام اسم الرياض، في الأممالمتحدة، أو من خلال الإعلام الإيراني، كلما اشتد الضغط الدولي ضد طهران في مفاوضات الملف النووي. وأبسط دليل على ذلك هو استخدام المرشد الأعلى لتعبير «الشيعة» في محاولة واضحة لتجييش أبناء الطائفة، من خلال استثارة النعرات الطائفية، وهي لعبة إيرانية بامتياز، نشاهدها في لبنان والعراق واليمن، وفي دول الخليج. ولكن ليس في كل مرة تسلم الجرة، كما يقال، فالخطأ الذي ارتكبه الإيرانيون اليوم ستكون له عواقب وخيمة؛ فالتهديد الإيراني لاستغلال موسم الحج لا يمثل استفزازا للسعوديين وحدهم، بل إن الخطأ الذي وقعت فيه طهران في تهديدها لموسم الحج وللسعودية يكمن في أنها تستفز مشاعر المسلمين في كل مكان، فالمشاعر المقدسة، التي تقوم عليها السعودية خير قيام، ليست مسرحا للشعارات وتصفية الخصومات، بل هي مكان مطهر للطائفين والقائمين والركع السجود! ولذا فإن التهديد الإيراني للسعودية باستغلال موسم الحج، وإلا اتخذت طهران موقفا مناسبا، يعني اعتداءً إيرانياً صارخاً على شعيرة من شعائر الإسلام، واعتداءً على المشاعر المقدسة، وهذا أمر بالغ الخطورة، وعواقبه ستكون كبيرة، والسعوديون أكثر الناس إدراكاً لذلك، حيث لديهم تاريخ طويل في التصدي للمحاولات الإيرانية في استغلال شعائر ركن من أركان الإسلام، وهو الحج.