التصريحات الإيرانية الأخيرة التي أطلقها كل من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران ،وكذلك الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بحق المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بموضوع الحجاج الإيرانيين،واتهامات طهران للمملكة بإساءة معاملة الحجاج الإيرانيين ، ليست في الواقع بجديدة على السياسة الايرانية، التي حاولت وتحاول دائما تسييس القضايا الدينية، واللعب على الوتر الديني ظنا منها أنه الأنسب لدغدغة العواطف وتطوير المواقف من قبل الآخرين . إذ إن تلويح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بما أسماها "قرارات مناسبة" ستتخذها بلاده إذا لم يتلق الإيرانيون معاملة "مناسبة" خلال أدائهم مناسك الحج في السعودية، يفهم منه على أنه تلويح بتهديدات للسعودية وحث للحجاج الإيرانيين على القيام بما ينافي قواعد الحج، وأنها فرصة استثنائية للدفاع عن قيم الإسلام على حد قوله، ويضيف الرئيس الايراني نجاد، لدى اجتماعه مع أعضاء المجلس الأعلى للحج في إيران، إن بلاده ستتخذ "قرارات مناسبة" في حال لم يتلق الحجاج الإيرانيون معاملة مناسبة خلال موسم الحج، في السعودية .و إن "موسم الحج يعتبر فرصة استثنائية للدفاع عن القيم الإسلامية، وإن اجتماع المسلمين وخاصة الحجاج الإيرانيين سيفشل مؤامرات الأعداء ويزيد من وحدة المسلمين". كلام يمكن لأي متتبع للسياسة الإيرانية أن يلمح فيه مؤشرات خطيرة ومقدمات لأعمال إفساد معنى هذه الشعيرة الدينية تحت شعارات مضخمة كالبراءة من المشركين أو العداء لأميركا وإسرائيل إلى آخره من هذه الشعارات ، التي تبدو انها تعد لطبخة سياسية أو ربما لصفقات سياسية مع قوى إقليمية وكبرى،ضمن ملفات كثيرة ومن ضمنها الملف النووي والخلافات التي تقول إيران إنها قائمة بينها وبين الغرب. وإذا كان من حق ايران ان تستخدم كافة الوسائل لممارسة الضغط على الغرب في مساعيها لحل مشكلات قضاياها النووية، الا ان هذا الحق لا يعطيها اي مبرر لاستخدام إحدى الشعائر الاسلامية مطية لها للعبور إلى أهدافها . لا سيما وانه ورغم بعض التجاذبات التي شهدتها وتشهدها المنطقة الا ان احدا لا ينكر أن إيران لها تاريخ على علاقة بهذه المنطقة ويكاد يكون جزءا من ثقافتها ايضا ، ولذلك فإن من المفيد جدا لايران ان تعمل في اطار المصلحة المشتركة لدول هذه المنطقة ولا سيما الخليجية منها وعلى رأسها بالتأكيد المملكة العربية السعودية التي تمثل الثقل الاسلامي الاكبر في المنطقة ناهيك عن دورها الاقليمي والدولي البارز، وعليه فإن التصريحات الايرانية الاخيرة التي اتهم فيها كل من المرشد الأعلى للثورة الاسلامية في ايران علي خامنئي والرئيس الايراني للمملكة بإساءة معاملة الحجاج الايرانيين ، لا يمكن الا ان تكون كوضع العصي في عجلة العلاقات العربية الايرانية التي تسعى المملكة وكذلك الكثير من الدول العربية إلى تنقيتها من شوائب التجاذبات السياسية المضرة، ومحاولات البعض تسييس شعائر الحج لغاية في نفسه ، وهو أمر انتبه إليه جيدا وزير الحج السعودي الدكتور فؤاد بن عبدالسلام الفارسي الذي حذر من استغلال الحج لأغراض سياسية. مؤكدا أنه يجب عدم استغلال الحج لأغراض سياسية ذاتية وذات أجندة خاصة، فالقاصي والداني يعلم ما تقوم به المملكة وقيادتها الرشيدة من بذل كل الجهود ومن خلال لجنة الحج العليا لتسهيل أداء النسك لكافة حجاج بيت الله الحرام . نفس هذا الموقف اكده الناطق باسم منظمة المؤتمر الإسلامي الأمين المساعد للشؤون الإنسانية عطاء المنان الذي شدد على أن شعيرة الحج ليست تظاهرة سياسية، بل هي شعيرة دينية تجسد المعنى الأصيل لوحدة الأمة الإسلامية، وهذا هو إطارها المناسب، الذي يجب ألا توضع في غيره. وانه يجب أن يعلم الجميع أن الحج ليس مناسبة لرفع الشعارات السياسية والتظاهرات، أو فرصة لإثارة النعرات الطائفية، ونحن نأسف لمثل هذه التصريحات التي لا تصب في مصلحة الوحدة الإسلامية. ولعل ما يلفت الانتباه هنا الى ان هذه التصريحات الايرانية ، تأتي متزامنة مع تحرشات الحوثيين اليائسة بالمملكة وقتلهم بعض الجنود السعوديين من غير وجه حق، مع ان القاصي والداني يدرك تماما مدى الدعم الذي يتلقاه الحوثيون من إيران لاسباب لا داعي للدخول في تفاصيلها، وسوف تلقنهم القوات المسلحة السعودية درساً وتردهم على أعقابهم خائبين. وبغض النظر عن المواقف الكثيرة المستهجنة للتصريحات الإيرانية الاخيرة ،والتدخل في شؤون البلدان العربية، وبالتوقف قليلا عند السياسة الايرانية عامة نلاحظ كيف ان هناك محاولات ايرانية حثيثة للتدخل في شؤون المنطقة بشكل لا يتناسب والمصالح المشتركة لابنائها ، فمن جنوب العراق إلى جنوب لبنان إلى جنوب المملكة العربية السعودية ، تبدو التدخلات الايرانية التي باتت تقلق الكثيرين من أبناء المنطقة العربية ، وعليه لا بد من التذكير مرة والف بأن اي مساس بامن احدى الدول العربية او مصالحها لن ينعكس عليها فقط وانما قد يطال الجميع ومن بينها ايران ، وعليه فإن لغة العقل والتبصير والمنطق هي المطلوبة في هذا الوقت وليس لغة التهديدات والمماحكات السياسية البغيضة التي أثبتت الايام انها لا يمكن ان تقود الى أي حل سواء بالنسبة لعلاقات ايران بالمنطقة او العلاقات الايرانية الدولية،وختاما لابد أن تقول وقبل فوات الأوان أنجدونا من تصريحات نجاد!! *المدير الإقليمي لصحيفة الرياض بالإمارات