مشهد (الكاميرا) الصامت، في القناة الفضائية.. كان صادما، وهي تجول على ركام قرية، سويت بالأرض تماما. لم يبق شيء قائما. مئذنة المسجد، التي توقفت الكاميرا عندها قليلا، تهاوت إلى جانب بقية البناء، بفعل قصف جوي أو مدفعي مباشر..! المراسل الصحفي، الذي أعد التقرير، ترك الصورة تتكلم وتعبر .. وانتقل إلى الضابط المتحدث باسم الجيش، الذي كان اسمه للمفارقة .. (أطهر)..! يقول الضابط الباكستاني، مبررا تدمير القرية، وتهجير كامل سكانها.. وقتل بعضهم: "كنا مضطرين لذلك، لوجود بعض المسلحين داخل القرية". توقفت الصورة على منظر المسجد المدمر، والضابط أطهر(!!).. وهذا اسمه حقيقة، يعيد تأكيد أن الجيش سيواصل عملياته، في تهجير الناس، وتدمير القرى.. التي يقول أنها صارت ملاذات للمقاتلين، الى أن يتم القضاء على آخر مسلح. نفس الضابط، كان قد صرح كذلك، قبل عدة أيام، بأن لا داعي للقلق على سلاح باكستان النووي، لأن هناك دولة صديقة، تتولى (حمايته)..وليس الحكومة وجيشها، الذي نجح في تهجير مليوني مواطن..!! ماذا يبقى من (دولة).. وجودها وسيادتها، حين تقوم دولة أخرى..أجنبية، بالإشراف على أهم مقوماتها الأمنية والدفاعية، وأكثرها سرية..؟!! أمريكا.. التي تقول الحكومة الباكستانية، أنها هي (الصديق)، الذي أصبح مسؤولا عن حماية سلاح باكستان النووي. هي نفس الدولة (الصديقة)، التي رفضت (الاتفاق)، الذي وقعته الحكومة الباكستانية مع بعض أفراد شعبها، من أبناء القبائل، ومنعت من تنفيذه. ذلك الاتفاق الذي يوقف العنف، ويبسط سيطرة الدولة على منطقة القبائل..مقابل تطبيق الشريعة. حكومة تقتل مواطنيها، الذين لا يطلبون أكثر من تطبيق تعاليم دينهم، فقط..لأن أمريكا لا تريده. الإدارة الأمريكية لم ترفض، وتمنع الحكومة الباكستانية، من الدخول في حوار أو مفاوضات مع القبائل.. يكون تطبيق الشريعة أحد بنودها، بل فرضت عليها أيضا، شن حربً ضد جزء من الشعب، الذي تدعي أنها تمثله، ومسؤولة عن حمايته..! ماذا يبقى من دولة لاتستطيع أن تمضي اتفاقا، حول خلاف بينها، وبين جزء من شعبها..لأن طرفا أجنبيا، يتحكم في قرارها..؟! ماذا بقي لدولة وحكومة من (شرعية)، وتمثيل لشعبها.. ونفس (هذه) الدولة الصديقة المزعومة، تجول بطائراتها.. في الأجواء، تدمر البيوت، وتقتل العشرات من مواطنيها كل يوم..؟! هناك مشكلة تواجهها هذه (المؤسسات) الأمنية، في أوطاننا العربية والإسلامية..تلك التي تسمي نفسها (دولا).. ! أي نظام قمعي، يستطيع أن يصنع أجهزة أمنية، في غاية البطش والتوحش .. لكنه لا يستطيع أن يدعي أنه يدير دولة. تغول الأجهزة الأمنية، ليس مؤشراً على سلطة مركزية قوية. لأن الدولة، ليست (مؤسسة) تتكون من (مخبرين).. يتجسسون على (موظفين) محبطين، مشكوك في (ولائهم)..! كما أن (الحكومة)، في الدولة الحقيقية، ليسوا ضباط مباحث، تضخم عندهم الهاجس الأمني، وغرس فيهم حس (التخوين).. لكل من يبدي رأيا في قرارات (القيادة) الرشيدة ..! عسكرة القرار وسيطرة الأجهزة الأمنية، على بيروقراطية الدولة، وتراجع مؤسسات المجتمع المدني، غالبا ما يجعل النظام، مرتبط بأجندة خارجية. الأنظمة التي لديها مشاكل أمنية، من نوع تلك التي صنفت عنفا، له طبيعة (دينية).. ارتبطت، من حيث تعلم أولاتعلم، ب(المشروع) الأمريكي، وحربه على ما يسمى (الإرهاب). خروقات أمنية هنا وهناك، من أفراد معدودين.. تحولت إلى حروب داخلية، استنزفت فيها الأنظمة.. وسفكت فيها دماء كثيرة. في هذه الحرب (الطاحنة)، التي تهيمن فيها سلطة المسؤول الأمني.. لم يكن القرار كله داخليا، وكانت الأجندة الخارجية كذلك.. حاضرة بشدة. حين قرنت أمريكا الإسلام بالإرهاب، لم يتخلف عن هذه القناعة، أي من الأنظمة في العالم العربي والإسلامي.. ولم تكن الحكومة الباكستانية وجيشها، ليترددوا في تنفيذ الأجندة الأمريكية، بشن حرب إبادة، ضد جزء من شعبهم..اختار تطبيق الشريعة الإسلامية، التي تراها أمريكا (شرا) وإرهابا..! مثلما أن البقية، تعلقوا بعربة القطار الأمريكي، بدرجات متفاوته. الإدارة الأمريكية، يأتي على رأس أجندتها، محاربة الظاهرة الدينية الإسلامية، ب(تقبيحها) ووصمها ب(الإرهاب). شيطنة الظاهرة الاسلامية، منهج استخدمته أمريكا.. ومازالت تستخدمه، بترويج فوبيا (الإرهاب)، في أوساط شعوب، تعيش الرهاب والخوف بأنواعه..إلى الحد الذي يحاسب فيه الإنسان على (نيته)، التي قد يتهور ويبوح بها في لحظة ضعف لصديق.. مثل أن يقول: "ليتني أستطيع مساعدة (المجاهدين) في العراق"..! شيطنة الآخر..الإسلامي، غالبا ما تكون مقدمة جوهرية، لتصفية خصوم النظام المفترضين من المتدينين. حدث ذلك على يد النظام المصري، حين سمى إعلام النظام (جماعة المسلمين)، بحركة (التكفير والهجرة)، ويحدث الآن في نيجيريا، التي تسمي خصومها (بوكو حرام)، وهو إسم من اختراع الأجهزة الأمنية، ولم يعرف عن الحركة، التي تتكون من طلاب محبطين مهمشين، من قبل النظام الفاسد.. أنها سمت نفسها بهذا الاسم..!! في كل تفاصيل هذا المشهد الدامي في (بلداننا) يغيب الحوار، ويبقى صوت الإعلام الرسمي ملعلعا، يزور الحقائق : قتلة ضالون، (طالبانيون).. والأنظمة، هي الأمين على أمننا واستقامتنا على طريق الحق السوي..! غائب آخر..دائم: القضاء ..! هل هناك من يسأل: بأي حق تستباح الدماء، والحرمات، والأموال..؟ مشهد جدير بالإشارة، تكرر في نيجيريا. جرافة ضخمة تسوي بالأرض، المسجد الذي كان يصلي فيه أفراد الجماعة، التي فتكت بها أجهزة النظام العسكرية.هو مشهد يحدث في بلداننا، حيث مؤسسة أمنية، شديدة التسليح، لا تتورع عن تدمير المساجد.. وقتل الناس.. بلا محاكمة ..!! حيث القضاء.. غائب دائما ..