محمد صادق دياب * الشرق الأوسط اللندنية من الأبجديات التي يتعلمها المشتغلون في العلاج النفسي المحافظة على أسرار مرضاهم، وهذه السرية يفترض أن تمتد حتى بعد رحيلهم، ولذا اعتبر ما أدلى به الدكتور أحمد سعد، كبير استشاريي الطب النفسي لصحيفة «عكاظ» حول حالة مريضه، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة أم القرى الدكتور ناصر الحارثي رحمه الله وتغليب فرضية انتحاره، يتناقض مع ميثاق المهنة وأعرافها وتقاليدها، التي تقضي بأن للمرضى النفسيين الحق في سرية المعلومات المتعلقة بهم، وبطبيعة مرضهم، ووسائل علاجهم وملفاتهم الطبية، وهو ما لم يعمل به الدكتور أحمد سعد، حينما استغرق في وصف حالة مريضه السابق، ولم يكتف بانتهاك حقوق مريضه، بل حشر نفسه أيضا في فرضية انتحاره، وهو الذي لم يلتق به سوى قرابة 35 دقيقة في نوفمبر عام 2007، وذلك لا يكفي بكل المعايير للحديث بمثل هذه اليقينية عن حالة المريض، مهما كانت خبرة الطبيب، وسنوات اشتغاله، فالأمراض النفسية شديدة الغموض، كثيرة التداخل في أعراضها، ومن التسطيح المخل بمهنة الطب النفسي التوصيف اليقيني لحالة المريض عبر لقاء أولي لم يمتد أكثر من 35 دقيقة. ظهور الطبيب في إحدى وسائل الإعلام، ليفرغ ملف مريضه أمام الصحافة أمر يهدد سرية آلاف المرضى النفسيين الذين يحتفظ ذلك الطبيب بملفاتهم، ويمكن أن يعرضها على السائلين عند الحاجة، وأنا على ثقة بأن من زبائن ذلك الطبيب أساتذة جامعات وعلماء ورجال أعمال، ومسؤولين، وأدباء وإعلاميين، وثقوا فيه، وباحوا له بقدر كبير من معاناتهم، وأوجاعهم، بل وأسرارهم الشخصية والعائلية والاجتماعية، وهي اليوم ليست في مأمن من أن يطلع عليها الآخرون، ولست أدري إن كان ثمة تشريعات لدى وزارة الصحة السعودية تحمي سرية المرضى النفسيين وتعاقب منتهكها أم لا، فإن وجدت مثل هذه التشريعات فمن العدل أن تطبق على ذلك الطبيب، وإن لم توجد فللمرضى النفسيين رب عادل رحيم. ولأسرة أستاذ الجامعة الراحل الدكتور ناصر الحارثي صادق الدعاء بالصبر على بلواهم، وقد خاض في قضية راحلهم الكثيرون، وتحدثوا بما لا ينبغي الحديث به في مقام الوجع والحزن والرحيل، وللطبيب أحمد سعد نقول: حتى أنت يا دكتور.