يشهد واقعنا الإعلامي الوطني المعاصر تطوراً كبيراً وملحوظاً في مختلف وسائل الإعلام, سواء من الناحية التقنية أو البشرية, وهذا الواقع الإعلامي السعودي كما أظن يُعاني من "شيزوفرينيا " إعلامية, وعدم وضوح في الرؤية,وغياب واضح للاستراتيجيات القريبة والبعيدة, مما أدى إلى عدم تبلور هوية إعلامية سعودية حتى الآن, "الإعلام السعودي" الحالي لا يتناسب والمكانة التي تحظى بها المملكة العربية السعودية في مختلف الصعد. والكتابة عن الواقع الإعلامي الوطني أصبحت شائعة ومُتاحة ومستهلكة, بحيث أشبعت نقداً وبحثاً ودراسة وتنظيراً, ولكن دون جدوى, فمازال الإعلام الوطني يُراوح مكانه, ولم تعُد المبادرات والمحاولات الفردية أو التجارب الخجولة والقليلة من بعض المؤسسات الإعلامية الوطنية تدفع بتلك الماكينة الإعلامية المعطلة منذ سنوات طويلة لتأخذ مكانها الطبيعي بين مثيلاتها في معظم الدول العربية, وتحديداً في دائرة الخليج العربي, أما المقاربة أو المقارنة لا فرق البعيدة مع الدول الغربية الكبرى في مجال الإعلام فأمر مستبعد وقد يُثير من حولنا الضحك والسخرية. لست بصدد تشريح هذا الجسد الإعلامي المتعب, لأن ذلك يحتاج لمتخصصين في مجال الإعلام, ويستدعي مساحات أوسع وقنوات أكثر, ولا طاقة لي بكل ذلك. فقط سألتقط ظاهرة بدأت تظهر بشكل لافت على سطح الإعلام العربي, لاسيما الفضائي منه, ظاهرة أجدها بحسب رأيي سبباً رئيسياً ساهم في تقوقع الإعلام الوطني في مكانه, وعدم بروزه بالشكل الذي يستحقه كصدى للواقع الحقيقي للوطن ومرآة تعكس حقيقة المجتمع السعودي, إنها ظاهرة الهجرة الواسعة والمنظمة للإعلاميين السعوديين المبدعين إلى خارج أسوار الوطن, هروباً من المؤسسات الإعلامية الوطنية باتجاه البيوت والمؤسسات الإعلامية العربية الخاصة, هذه الهجرة التي بدأت قبل عقد من الزمن انسجاماً ومواكبة للثورة الهائلة في الإعلام العربي نتيجة للعدوى الحميدة التي اكتسبها من الإعلام العالمي وفق المفهوم المباشر للعولمة, هذه المفردة البغيضة أي العولمة لدى حراس الفضيلة ومُلاك الحقيقة المطلقة, وهم للأسف الشديد الأعلى صوتاً والأكثر تأثيراً في مجتمعنا "المحافظ". لقد أحدث الانقلاب الخطير في أهداف ومفاهيم وأسس ووسائل الإعلام الحديث غربلة كبيرة وتفكيكاً ممنهجاً للكثير من الأساليب الإعلامية النمطية التي أصبحت من الماضي ولم تعد قادرة على منافسة المستجدات اللحظية في كل المجالات, لاسيما وسائل الإعلام والاتصال. لقد أصبح الإعلامي السعودي الآن قاسماً مشتركاً في العديد من وسائل الإعلام المختلفة, بحيث لا تخلو وسيلة إعلامية مقروءة أو مسموعة أو مرئية من وجه إعلامي سعودي يحظى بتقدير وإعجاب ومتابعة الجمهور العربي من المحيط إلى الخليج. في ميزان العرض والطلب يأتي الإعلامي والإعلامية السعودية في مقدمة "قائمة المطلوبين", ولكن هذه المرة بشكل يدعو للفخر والإعجاب بعيداً عن كل تلك القوائم المخجلة والمحزنة! ما أروع تلك القائمة الطويلة لتلك"الطيور المهاجرة" التي تغرد الآن خارج أسوار الوطن, هناك بعيداً حيث البساطة والمهارة والحرفية والحرية, وتلك مفاهيم إعلامية افتراضية تتناغم وتتشابه مع قطع الديكور "الداخلي" في أستوديوهاتنا الخشبية. أسماء ليست كالأسماء, أذكرها لإثبات حالة لا بغرض الحصر, فهي تستعصي على ذلك لكثرتها وأهميتها. ففي قناة العربية فقط يحتل الإعلاميون السعوديون المرتبة الرابعة بعد اللبنانيين والمصريين والأردنيين, علماً بأن هناك أكثر من 60 جنسية مختلفة تعمل في هذه القناة. تركي الدخيل, صالح الثبيتي, محمد الطميحي, فارس بن حزام, ناصر الصرامي, بتال القوس, سارة الدندراوي, والكثير الكثير ممن يُسهمون في تألق هذه القناة. أما قناة الجزيرة القطرية فيبرز فيها اسمان لامعان وهما علي الظفيري وابتسام الحبيل. وسليمان الهتلان ونادين البدير وبثينة النصر في الحرة, وعلي العلياني ومنى سراج وغادة موصلي في ال LBCاللبنانية, وماجد التويجري في ال mbc, وأنيس القديحي في ال BBC العربية, وغيرهم الكثير في وسائل الإعلام العربية المختلفة. تلك والكثير غيرها وجوه إعلامية سعودية أثبتت قدرتها وكفاءتها وتميزها وأصبحت رقماً صعباً في عالم الإعلام. لماذا يرحل هؤلاء المتميزون عن المؤسسات الإعلامية السعودية؟ سؤال ينتظر إجابة أو إجابات شافية تضع النقاط على الحروف لكشف الأسباب الحقيقية لتنامي هذه الظاهرة السلبية/الإيجابية, ولعل الوزير والشاعر والإنسان عبدالعزيز خوجة يملك بعضاً من تلك الإجابات الشافية, وإن لم يكن كذلك فليضع هذا السؤال على صفحته الرائعة في ال Facebook أو من خلال موقعه الإلكتروني المميز فإنه سيتلقى سيلاً هائلاً من إجابات يعرفها وأخرى كثيرة جداً لا يعرفها.